عظمة الكتاب المقدس وحفظ الله له عبر آلاف السنين

رداً على الدكتور زغلول النجار

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد

 

مقدمة

الرد الأول: هل باع اليهود التوراة قراطيساً؟

الرد الثاني: هل حرف اليهود التوراة وأفسدوا المسيحية؟

وهل هناك كتب كثيرة كل منها يسمى بالتوراة؟

الرد الثالث: هل فقدت التوراة منذ أيام موسى وأعاد اليهود كتابتها من الذاكرة؟

الرد الرابع: مخطوطات العهد القديم وصحة التوراة والعهد القديم

الرد الخامس: براهين من علم الحفريات والآثار والوثائق القديمة تشهد على حفظ الله للعهد القديم

الرد السادس: مخطوطات العهد الجديد تشهد على حفظ الله للعهد الجديد

الرد السابع: كتابنا مقدس لأنه كلمة الله الحية كما أننا لسنا كفرة ولا مشركين

مقدمة

أعتاد بعض الكتاب من الأخوة المسلمين في الفترة الأخيرة على نقد المسيحية وعقائدها وكتابها المقدس في مئات بل آلاف الكتب التي نشروها لهذا الغرض أو في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية، بل وفي بعض الأحيان في القنوات المملوكة للدولة!! والغريب أن أغلب من يتصدون لمثل هذا النقد ويقومون بالتشكيك في المسيحية وعقائدها هم من غير المتخصصين في علوم مقارنة الأديان!! بدليل أن معظمهم ينسبون لمجمع نيقية تقرير الكتب الموحى بها وغير الموحى بها، وهذا غير صحيح لأن هذا المجمع لم يناقش مثل هذا الموضوع على الإطلاق!! لدرجة أن أحدهم قال ولا أعرف كيف يصدق ما قال؟! ولا كيف يصدقه من يسمعه؟! أنه عند اختيار الأناجيل في مجمع نيقية وضع الآباء كمية كبيرة من الكتب أسفل مائدة العشاء الرباني وقالوا أن الكتاب الذي يقفز من أسفل المائدة ويستقر عليها يكون هو الكتاب الموحى به!! ولا نعرف من أين أتى بهذا الفكر الخرافي المتخلف ولا كيف تقفز الكتب من أسفل المائدة وتستقر فوقها؟!!

كما أن الغالبية منهم تعتمد على ما كتبه النقاد اللادينيين والملحدين في الغرب، وهؤلاء لا يؤمنون بالمعجزات ولا بالوحي ولا بأي كتاب لأي دين كموحى به!! كما يعتمد البعض الآخر على ما يكتب في مواقع النت وما يقال في غرف البالتوك وغيرها والتي تتحدث في أمور هي أبعد ما تكون عن أي دراسة نقدية علمية! فقط يناقشون مواضيع في الكتاب المقدس دون الرجوع لمصادرها أو لكتب التفسير المسيحية! وأن رجعوا فلا يرجعون للدراسة العلمية بل لاختطاف جملة من هنا وعبارة من هناك لتأييد أفكارهم النقدية! بالمبدأ الميكيافلي " الغاية تبرر الوسيلة "!! بل والأغرب أنهم يهاجمون بعض القصص الموجودة في الكتاب المقدس والتي تتكرر بنفس المفاهيم في القرآن، دون مراعاة ذلك!!

وفي الفترة الأخيرة أضيف إلى هؤلاء الدكتور زغلول النجار، الحاصل على الدكتوراة في الجيولوجيا ورئيس قسم الإعجاز العلمي في مجمع البحوث الإسلامية، والذي كنا نتوقع منه دراسة علمية جادة رصينة، ولكنه خيب أمالنا بأحاديثه العشوائية المرسلة التي تفتقر لأبسط أساليب البحث العلمي والنقد العلمي!! وراح يسب الكتاب المقدس والمسيحية والمسيحيين بأسلوب لم نعهده من عالم أو دارس؟! بل ويوقعه تحت طائلة قانون ازدراء الأديان!!

والأغرب أنه وهو أستاذ الجيولوجيا والإعجاز العلمي لا يتكلم عن الكتاب المقدس بأسلوب علمي على الإطلاق! بل راح يتكلم ويقول كلام لا يزيد عن كونه مجرد شائعات مثل التي يقولها العامة من بسطاء الناس!! وأخذ يسيء للكتاب المقدس ويسبه في الجرائد العامة أو الأحاديث المسموعة والمرئية بصورة لا تليق بمن له لقب عالم أو متعلم!! ووصفه بالقول: " بذاءة وركاكة ما يسمى بالكتاب المقدس "!!! أو " الكتاب المكدس الذي تسمونه المقدس "!!! وبعد ذلك يقول أنه لا يسب الكتاب المقدس ولا الأديان بل يقدم النصيحة للمسيحيين!!! والحقيقة لا نعرف ما هو السب في مفهومه، إذا كان هذا ليس سباً؟؟!! وهل يقبل سيادته أن نقدم له النصيحة بأسلوبه؟!!

وفي الصفحات التالية نقدم تعليقنا على كلام سيادته وردنا العلمي لا بأسلوب فضيلته بل بالأسلوب الذي علمه لنا الكتاب المقدس الذي يقول: " لا تجازوا أحدا عن شر بشر. معتنين بأمور حسنة قدام جميع الناس " (رو12: 17)، " انظروا أن لا يجازي احد أحدا عن شر بشر بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع " (1تس5: 15)، " غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة بل بالعكس مباركين عالمين أنكم لهذا دعيتم لكي ترثوا بركة " (1بط3: 9). ونوضح له صحة إيماننا عملاً بقول الكتاب المقدس: " بل قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف " (1بط3: 15).

وفي النهاية أرجوا أن يأتي هذا الكتاب بالثمار المرجوة بنعمة ربنا يسوع المسيح وبركة العذراء القديسة مريم، وصلوات قداسة البابا المعظم البابا شنودة الثالث بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية، ونيافة الحبر الجليل الأنبا مرقس، أبي الروحي، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها والنائب البابوي لكنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد.

القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير

 

تمهيد

عظمة الكتاب المقدس وحفظ الله له عبر آلاف السنين ولسنا كفرة ولا مشركين

أعتاد الدكتور زغلول النجار في أحاديثه وكتاباته عن الكتاب المقدس الإساءة للكتاب المقدس بصورة سيئة جداً وبأسلوب ليس فيه نوع من الكياسة أو اللياقة، بل والأغرب أنه وهو أستاذ الجيولوجيا(1) والإعجاز العلمي لا يتكلم عن الكتاب المقدس بأسلوب علمي على الإطلاق بل ما يقوله هو مجرد شائعات مثل التي يقولها العامة من بسطاء الناس!! بل ويسيء للكتاب بصورة لا تليق بمن له لقب عالم أو متعلم، بل أنه يسب الكتاب المقدس سباً سواء في الجرائد العامة أو الأحاديث المسموعة والمرئية!! ويصفه بالقول: " بذاءة وركاكة ما يسمى بالكتاب المقدس "!!! أو " الكتاب المكدس الذي تسمونه المقدس "!!! وبعد ذلك يقول أنه لا يسب الكتاب المقدس ولا الأديان!!! والحقيقة لا نعرف ما هو السب في مفهومه، إذا كان هذا ليس سباً؟؟!!

وفيما يلي أهم ما جاء في الجرائد والمجلات والفضائيات سواء بقلمه أو على لسانه:

(1) الأهرام يوم الاثنين 25 ديسمبر 2006م العدد رقم 43848: " فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً". أولا‏: ‏ في قوله تعالي: ‏ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ ‏...: ‏ لقد كفر اليهود في غالبيتهم علي زمن نبي الله موسي عليه السلام فعبدوا العجل‏،‏ وعاودوا الكفر بتحريف التوراة وبيعها قراطيس للناس‏،‏ وتركز الكفر من قلوبهم في أزمنة أنبيائهم العديدين‏،‏ فقاتلوهم وقتلوهم عدوا بغير علم‏.‏ وحرفوا كتبهم‏،‏ وازداد الكفر تمكنا من قلوبهم زمن نبي الله المسيح عيسي ابن مريم‏،‏ فانكروا نبوته‏،‏ وشوهوا سمعته وسمعه والدته شرفها الله وأعلنوا عليه حروب الشياطين وحاولوا صلبه ولكن الله تعالي رفعه إليه‏،‏ واندسوا بين تابعيه في محاوله لصرفهم عن دين الله‏،‏ وإصرار علي تزويره وتشويهه‏ 00

ثالثا‏: ‏ في قوله تعالي ‏: ‏ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ‏: ‏ لتوراة موسي عليه السلام في الإسلام منزله سامية‏،‏ ولكن اليهود أشبعوها تحريفا وتزويرا ودسا علي الله تعالي‏،‏ وهم اليوم يعتبرون التوراة متجسدة في الأسفار الخمسة الأولي مما يعرف باسم العهد القديم‏، ‏وهذه الإسفار الخمسة لم تدون إلا في عهد عزرا بعد وفاه موسي عليه السلام بأكثر من ثمانية قرون‏،‏ ثم أضافوا إليها عده إسفار مختلفة مما جعلها محل جدل في أوساطهم الدينية حتى اليوم‏.‏

ويجمع دارسو العهد القديم علي أن سفر حزقيال وضع أولا‏،‏ ثم ركبت حوله بقيه الأسفار الموضوعة‏،‏ ولذلك كان لليهود أكثر من توراة من مثل التوراة البابلية‏،‏ توراة القدس‏،‏ والتوراة البيضاء‏،‏ و التوراة السامرية والسبعينية والعبرية واليونانية وغيرها‏،‏ وبينها اختلافات جوهريه عديدة تشير إلى عبث الأصابع اليهودية بها‏.‏

والشك في أسفار العهد القديم أثارته مؤسسات ومجامع دينيه عديدة كانت منها الكنيسة البروتستانتية التي حذفت أكثر من سبعه من أسفاره هي‏: ‏ أسفار باروخ‏،‏ و طوبيا‏،‏ ويهوديت‏،‏ وسفرا المكابيين الأول والثاني‏،‏ وأجزاء من سفري استير ودانيال‏.‏

وقد استمر اليهود في تحريف كتبهم علي مدي يزيد علي‏ (2500)‏ سنه‏،‏ وخدعوا العالم بأنهم هم أصحاب العهود لا غيرهم‏،‏ بدعوى أنهم لا يزالون عرقا صافيا من الساميين والإسرائيليين‏،‏ وإنهم يهود توراة موسي‏.‏ وهذا محض افتراء لان اليهودية كأحد الأديان السماوية قبلتها أعراق متعددة‏،‏ ومن هنا فان الادعاء بنقاء العرق اليهودي هو ادعاء كاذب ينكره علم الأجناس‏،‏ وينكره دخول الكثير من اليهود في الديانة النصرانية ثم في الإسلام كما ينكره وجود أعراق متعددة بين اليهود والمتهودين المعاصرين‏.

 

من هنا فان التعبير القرآني بنو إسرائيل ليس تعبيرا عرقيا لان القران الكريم يؤكد وحده الجنس البشري ورده إلى أب واحد‏،‏ وأم واحده‏،‏ ولكنه وصف لجماعه من الناس لها من الأنانية ما شجعها علي الاعتقاد الخاطيء بأنهم وحدهم هم شعب الله المختار‏،‏ وأبناؤه وأحباؤه‏،‏ وان غيرهم من الخلق عبارة عن حيوانات في هيئه البشر حتى يكونوا في خدمه اليهود‏،‏ وان الرب هو رب إسرائيل والإسرائيليين فقط‏،‏ وان الأغيار ‏(‏الأمميين‏)‏ لا رب لهم‏،‏ ومن هنا فان استباحه دمائهم وأعراضهم وأموالهم وأراضيهم هي حلال عندهم‏،‏ وهي قربه إلى الله تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا.

رابعا‏: ‏ في قوله تعالي‏: وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ‏: ‏ يعترف العهد القديم بان توراة موسي قد فقدت‏،‏ ولذلك اخذ اليهود يكتبون عنها من الذاكرة ما تناقله كل من الأجداد والآباء للأحفاد والأبناء عبر أكثر من ثمانية قرون كاملة‏،‏ وذلك في زمن عزرا وقد استغرقت كتابتها قرابة قرن من الزمان وبذلك اكتملت كتابتها عبر تسعمائة سنه‏،‏ ولذلك قال سبحانه في اليهود‏:...‏ َمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ...‏ ‏(‏المائده‏: 41).‏

وقال عز من قائل‏: ‏ إِنَّا أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ‏..‏ ‏(‏المائدة‏: 44)‏.

ثم فقدت كتابات عزرا أيام اجتياح كل من انطيوخس الثالث والرابع لأرض فلسطين في الفترة من‏198‏ ق‏.‏م إلى‏164‏ ق‏.‏م‏،‏ ثم في استباحه هيرودوس الروماني الادومي في الفترة من‏38‏ ق‏.‏م إلي‏4‏ ق م‏. وعند بعثه المسيح قام اليهود بحرق ما بقي بأيديهم من التوراة لإخفاء البشارة بكل من نبوته ونبوه محمد صلي الله عليه وسلم وكرروا ذلك بعد بعثه خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين لإخفاء البشارة ببعثته الشريفة كذلك‏،‏ وصاغوا كتبا جديدة في القرن السابع الميلادي بأوامر من محفل الشورى اليهودي‏.‏ وقد استمر التحريف فيها لأكثر من ثمانمائة سنه ولم تطبع إلا في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي تحت مسمي العهد القديم وهو مسمي من وضع البشر لان الله تعالي لم ينزل كتابا بهذا الاسم‏.‏ وحتى هذا المؤلف ظل يتعرض للتحريف بعد التحريف وللتعديل تلو التعديل‏،‏ وللإضافة والحذف إلي يومنا الراهن‏،‏ ولذلك قال ربنا تبارك اسمه في اليهود‏:... وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ... ‏(‏المائدة‏: 13).‏

 

وقال في برنامج المذيع عمرو أديب على قناة أوربت الشهير، القاهرة والناس: " الله الذي أنزل صحف إبراهيم وأنزل التوراة وأنزل الزبور وأنزل الإنجيل وأنزل القرآن الكريم لم ينزل كتابا اسمه العهد القديم ولم ينزل كتابا اسمه العهد الجديد، هذه كلها كتب منحولة مفتراة على الله سبحانه وتعالى لا علاقة لها بالوحي السماوي الذي جاء بهذه الأديان. أما القرآن الكريم فنحن نعلم متى نزل وأين نزل ومن كاتب كل آية من الآيات هم ينقلون عن ترجمة من اللغة اليونانية القديمة وهي لغة لم يتحدثها السيد المسيح عليه السلام ولا أي من أتباعه ولذلك أقدم نسخة من الأناجيل عندهم ترجمة القرن السابع عشر الميلادي بعد ألف وستمائة سنة من رفع المسيح عليه السلام، أي حجية لهذا الكلام، أنا أقول له أن وصفكم في كتابكم المكدس الذي تدعون أنه مقدس وصفكم لأربعة وثلاثون نبياً من الأنبياء بأنهم أبناء زنى محارم وأنهم زنوا بمحارمهم يشين هذا الكتاب ويشل لسان مثلك "!!!

وقال في تعليقه على البابا بندكت: " ضربات العلمانيين الغربيين، مثل رواية "شفرة دافنشي" التي باعت أكثر من ستين مليون نسخة وهى تفضح الأصول النبوية للعقيدة المسيحية. ومثل اكتشاف ونشر إنجيل يهوذا الذي يهدم فكرة صلب المسيح وعقيدة المخلص. ومثل أعمال علماء اللاهوت المشكلين لندوة يسوع Jesus Seminar الذين يفضحون أخطاء كتب العهد الجديد "، " لأن العقيدة المسيحية الحالية قد تشكلت على مدى قرون عدة مسئول عنها العديد من الأشخاص.

وقال في إحدى غرف البالتوك: " ليس من حقكم أن تتكلموا عن الإسلام نحن من حقنا أن نتكلم عن المسيح عليه السلام لأننا نؤمن بنبوته ونؤمن ببعثته ومن حقنا أن نتكلم عن الإنجيل لأننا نؤمن بالإنجيل الصحيح الذي أتاه الله تعالى عيسى عليه السلام. أما كتابهم المكدس كما سماه أحد الأخوة الذين منّ الله عليهم بالإسلام... يسميه الكتاب المكدس لأننا لا نعلم من الذي جمع هذه الأسفار التي لم يكتب أغلبها بيد أنبياء ولا بأيدي مرسلين وجمع في كتاب واحد ولا يعرفون من الذي جمعه ولا أين جُمع ولا بأية لغة جُمع ولا متى جُمع".

وقال في إحدى القنوات العربية وهو يتكلم عن التنصير: " هذا الشاب (المتنصر) لو أنه عنده ذرة من عقل ما قبل أن يترك التوحيد ويترك الدين الصحيح إلى دين غير صحيح ويترك التوحيد على الشرك ويترك الإيمان إلى الكفر، لو أن عنده ذرة من عقل علماً بأن الأصل في الإسلام حرية التدين فالإنسان في الإسلام مخلوق مكرم".

هذه أهم الأقوال والمزاعم والادعاءات التي ادعاها الدكتور زغول النجار على الكتاب المقدس وكررها في الكثير من الجرائد والمجلات والفضائيات دون أن يمل منها. بل والأغرب أنه قال في إحدى الجرائد أنه لا يهاجم المسيحية ولا المسيحيين، الذي يصر على تسميتهم بالنصارى، ويصفهم بأنهم ليس عندهم ذرة من العقل! ويقول أنا أقدم لهم النصيحة!! وهذه النصيحة هي أن يكرر هذه الأقوال عنهم وعن كتابهم المقدس، الذي يسميه المكدس!!! ولا رد لنا عليه سوى قول الكتاب المقدس: " من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارا جيدة. وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارا رديّة. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا رديّة ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فإذا من ثمارهم تعرفونهم " (مت7: 16-20). فنحن من وجهة نظره أناس ليس عندنا ذرة من العقل وكتابنا مكدس!! وهو يقدم لنا النصيحة!!

الغريب أنه يقذفنا ويقذف الكتاب المقدس بكل هذه التهم الباطلة والكاذبة دون أن يقدم برهاناً أو دليلاً على أي كلمة من كلامه! فقط مجرد كلام عشوائي مرسل مما يقوله عامة الناس وبسطاؤهم من غير المسيحيين! بل وجميع ما قاله في هذه المقالات والبرامج وغيرها مليء بالادعاءات الكاذبة وغير الصحيحة!! وكنا نتوقع منه وهو العالم الحاصل على الدكتوراة في الجيولوجيا أن يقدم لنا بحثا علمياً منطقيا يعتمد على الدليل العلمي والبرهان العلمي الموثق يتناسب مع دراسته العلمية، وأن يقدم لنا ما يثبت أن ما يدعيه صحيح!! ولكن للأسف خيب ظننا وما نتوسمه فيه وهو أستاذ الإعجاز العلمي وراح يتكلم بكلام جزافي عشوائي مما يقوله العامة من الناس دون برهان أو دليل، فيبدو أنه تصور أن الإعجاز أنتقل إليه هو شخصيا وصار كلامه الشخصي وأوهامه وكلامه المرسل وحي وإعجاز!!!! وفي الصفحات التالية نقدم تعليقنا عليه وعلى كل إدعاءاته.

الرد الأول

هل باع اليهود التوراة قراطيساً؟

 

قال فضيلة الدكتور أن اليهود في أيام موسى النبي: " عاودوا الكفر بتحريف التوراة وبيعها قراطيس للناس‏،‏ وتركز الكفر من قلوبهم في أزمنة أنبيائهم العديدين‏،‏ فقاتلوهم وقتلوهم عدوا بغير علم‏.‏ وحرفوا كتبهم "!!

والسؤال هنا أين ورد أنهم حرفوا التوراة أيام موسى وأيام أنبيائهم؟! هل في أيام موسى أم بعد موسى؟ وما معنى في أيام الأنبياء؟ فقد أمتد عمل الأنبياء من موسى النبي وبعده صموئيل النبي إلى ملاخي، بل وإلى يوحنا المعمدان " لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبأوا " (مت11: 13)؟ ولماذا لم يذكر هؤلاء الأنبياء هذا التحريف المزعوم في سفر من أسفار العهد القديم؟ بل ولماذا لم يشر إليه ويذكره الرب يسوع المسيح الذي فسر لتلاميذه جميع ما هو مكتوب عنه في جميع الأنبياء " ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب " (لو24: 27)، بل ولماذا لم يشر القرآن لهذا التحريف المزعوم في أيام موسى والأنبياء؟! ولماذا لم يقل أنهم حرفوا الكتاب أيام موسى والأنبياء؟ بل العكس من ذلك تماماً فقد أكد أن التوراة كانت بين يدي المسيح، وأنه جاء مصدقا بها: " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ " (المائدة: 46)، " وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ " (آل عمران: 50). وهنا نسأل فضيلة الدكتور: هل يقول القرآن أن المسيح جاء ليصدق على توارة تقول سيادتكم أنها حُرفت قبل مجيئه مرات كثيرة؟؟!!

كما نسأله عن قوله: " وبيعها قراطيس للناس "!! أين قال القرآن ذلك؟! وكيف صنعوا منها قراطيس؟ وما معنى كلمة قراطيس هنا وماذا فعلوا بهذه القراطيس؟! وحتى لا يسيء البعض فهم كلمة قراطيس التي تركها سيادة الدكتور دون تعليق حتى يجعل القاريء والمستمع يتخيلان أن معناها هو كما نعرفه اليوم!! نوضح معناها بحسب ما جاء في تفسير البحر المحيط قوله: " القرطاس اسم لما يكتب عليه من رق وورق وغير ذلك... ولا يسمى قرطاساً إلا إذا كان مكتوباً وإن لم يكن مكتوباً فهو طرس وكاغد وورق، وكسر القاف أكثر استعمالاً وأشهر من ضمها وهو أعجمي وجمعه قراطيس "(2). وهو هنا يشرح ما جاء في سورة الأنعام: " وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ " (الأنعام: 91). والتي يشير إلي ما جاء بها الدكتور زغلول النجار. ونؤكد من خلال تفسير كبار المفسرين أن ما جاء في هذه الآية القرآنية هو عكس ما يدعيه ويزعمه فضيلة الدكتور على الإطلاق:

فقد جاء في تفسير ابن كثير: " وقوله: { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا } (3) أي: يجعلها حَمَلَتُهَا (4) قراطيس، أي: قِطَعًا يكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديهم ويحرفون فيها ما يحرفون ويبدلون ويتأولون، ويقولون: { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " (البقرة: 79)(3).

وجاء في تفسير البغوي: " { تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا } أي: تكتبون عنه دفاتر وكتبا مقطعة تبدونها، أي: تبدون ما تحبون وتخفون كثيرا من نعت محمد (صلعم) وآية الرجم "(4).

وجاء في تفسير الألوسي: " { تَجْعَلُونَهُ قراطيس تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } [ الأنعام: 91 ] وإخفاؤها ليس بإخفاء النصوص بل بتأويلها "(5).

وجاء في تفسير زاد المسير: " قوله تعالى: { يجعلونه قراطيس } معناه: يكتبونه في قراطيس. وقيل: إنما قال: قراطيس، لأنهم كانوا يكتبونه في قراطيس مقطَّعة، حتى لا تكون مجموعة، ليخفوا منها ما شاؤوا "(6).

وجاء في تفسير النسفي: " أي بعضوه وجعلوه قراطيس مقطعة وورقات مفرقة ليتمكنوا مما راموا من الإبداء والإخفاء "(7).

وجاء في الوسيط لسيد طنطاوي " القراطيس: جمع قرطاس وهو ما يكتب فيه من ورق ونحوه. أي: تجعلون هذا الكتاب الذي أنزله الله نورا وهداية للناس أوراقا مكتوبة مفرقة لتتمكنوا من إظهار ما تريدون إظهاره منها، ومن إخفاء الكثير منها على حسب ما تمليه عليكم نفوسكم السقيمة وشهواتكم الأثيمة "(8).

ونختم كلامنا هنا بما جاء في تفسير الرازي: " المراد أنهم لما جعلوه قراطيس، وفرقوه وبعضوه، لا جرم قدروا على إبداء البعض، وإخفاء البعض، وهو الذي فيه صفة محمد (صلعم). فإن قيل: كيف يقدرون على ذلك مع أن التوراة كتاب وصل إلى أهل المشرق والمغرب، وعرفه أكثر أهل العلم وحفظوه، ومثل هذا الكتاب لا يمكن إدخال الزيادة والنقصان فيه، والدليل عليه أن الرجل في هذا الزمان لو أراد إدخال الزيادة والنقصان في القرآن لم يقدر عليه، فكذا القول في التوراة.

قلنا: قد ذكرنا في سورة البقرة أن المراد من التحريف تفسير آيات التوراة بالوجوه الباطلة الفاسدة كما يفعله المبطلون في زماننا هذا بآيات القرآن "(9).

هذه خلاصة أراء كبار المفسرين والتي تضاد بشكل مباشر ما أراد أن يوحي إليه الدكتور النجار!!!

 

---

(1) حاصل على درجة " الدكتوراه في الفلسفة " في الجيولوجيا من جامعة ويلز ببريطانيا عام 1963م.

(2) البحر المحيط ج5 ص51.

(3) ابن كثير ج3 ص300.

(4) البغوي 3 ص167.

(5) الألوسي ج5 ص 271.

(6) زاد المسير ج2 ص374.

(7) النسفي 1: 338.

(8) الوسيط 1: 1498.

(9) تفسير الرازي ج6 ص 373.

الرد الثاني

هل حرف اليهود التوراة وأفسدوا المسيحية؟

وهل هناك كتب كثيرة كل منها يسمى بالتوراة؟

 

وقال أن اليهود " واندسوا بين تابعيه (أي تابعي المسيح) في محاوله لصرفهم عن دين الله‏،‏ وإصرار علي تزويره وتشويهه "!! والسؤال هنا هو من أين أتى بهذا الكلام؟ هل من الإنجيل أم من كتب آباء الكنيسة أو تاريخ الكنيسة؟ أم من القرآن؟ أو من كتب الحديث أو السيرة النبوية؟ أم من كتب التاريخ المدني في القرون الأولى للميلاد؟ أم من كتب الملحدين الذين لا دين لهم ولا يؤمنون بالله ولا بالحياة الآخرة والعالم الأخر؟ ونقول مؤكدين وواثقين وجازمين أنه لا الإنجيل ولا القرآن ولا كتب آباء وتاريخ الكنيسة ولا كتب الحديث ولا السيرة النبوية ولا كتب التاريخ المدني قالت بذلك أو بشيء من مثل ذلك أو حتى ما يشبهه!! لأن الرب يسوع المسيح كان يعلم كل شيء ويعلم التلاميذ وأن واحداً منهم كان سيسلمه: " أنا اعلم الذين اخترتهم " (يو13: 18)، " أليس أني أنا اخترتكم الأثني عشر وواحد منكم شيطان " (يو6: 70). وكان من المستحيل أن يدس بينهم أحد لا قبل الصلب والقيامة ولا بعدها لأن الكنيسة كان يقودها الروح القدس وكانت تجرى " على أيدي الرسل آيات وعجائب كثيرة في الشعب " (أع5: 12). أو كما يقول القديس بولس: " بقوّة آيات وعجائب بقوة روح الله. حتى أني من أورشليم وما حولها إلى الليريكون قد أكملت التبشير بانجيل المسيح " (رو15: 9).

ثم يقول سيادته: " ولكن اليهود أشبعوها تحريفا وتزويرا ودسا علي الله تعالي‏،‏ وهم اليوم يعتبرون التوراة متجسدة في الأسفار الخمسة الأولي مما يعرف باسم العهد القديم‏، ‏وهذه الإسفار الخمسة لم تدون إلا في عهد عزرا بعد وفاه موسي عليه السلام بأكثر من ثمانية قرون "!! وهنا لنا عدة ملاحظات:

(1) متى أشبعوها تحريفاً وتزويراً ودسا وتزويرا، كما يزعم؟! ليته يقدم لنا دليلا علمياً واحداً على هذه المزاعم الباطلة والأقاويل العشوائية التي لا تزيد عن كونها مجرد أحاديث عوام.

(2) وليأتينا سيادته بدليل واحد يقول أنها لم تكتب إلا في زمن عزرا! وفي نفس الوقت نؤكد لسيادته بالدليل العلمي كيف أن الله حفظ التوراة وبقية أسفار العهد القديم بدقة متناهية عبر حوالي 3500 سنة!!

 

1- هل يتفق كلامه مع جاء في تفاسير كبار مفسري القرآن؟

وهنا نسأل هل يتفق كلامه هذا مع ما جاء في القرآن وتفاسير كبار المفسرين؟! وإلى أن يأتينا سيادته بالدليل نأتيه نحن بما قاله كبار المفسرين في تفسير قوله: " وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتوراة وَالإِنجِيلَ " (آل عمران: 48):

جاء في جامع البيان للطبري: " القول في تأويل قوله تعالى: " ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " فيعلمه الكتاب، وهو الخط الذي يخطه بيده، والحكمة: وهي السنة التي نوحيها إليه في غير كتاب، والتوراة: وهي التوراة التي أنزلت على موسى، كانت فيهم من عهد موسى، والإنجيل: إنجيل عيسى، ولم يكن قبله، ولكن الله أخبر مريم قبل خلق عيسى أنه موحيه إليه، وإنما أخبرها بذلك، فسماه لها، لأنها قد كانت علمت فيما نزل من الكتب أن الله باعث نبيا يوحى إليه كتابا اسمه الإنجيل". وهو يؤكد هنا على أن التوراة التي كانت بين يدي المسيح هي نفسها التي نزلت على موسى النبي " والتوراة: وهي التوراة التي أنزلت على موسى، كانت فيهم من عهد موسى".

وجاء في تفسير الرازي: " يعلمه التوراة، وإنما أخر تعليم التوراة عن تعليم الخط والحكمة، لأن التوراة كتاب إلٰهي، وفيه أسرار عظيمة، والإنسان ما لم يتعلم العلوم الكثيرة لا يمكنه أن يخوض في البحث على أسرار الكتب الإلٰهية، ثم قال في المرتبة الرابعة والإنجيل، وإنما أخر ذكر الإنجيل عن ذكر التوراة لأن من تعلم الخط، ثم تعلم علوم الحق، ثم أحاط بأسرار الكتاب الذي أنزله الله تعالى على من قبله من الأنبياء فقد عظمت درجته في العلم فإذا أنزل الله تعالى عليه بعد ذلك كتاباً آخر وأوقفه على أسراره فذلك هو الغاية القصوى، والمرتبة العليا في العلم، والفهم والإحاطة بالأسرار العقلية والشرعية، والإطلاع على الحكم العلوية والسفلية، فهذا ما عندي في ترتيب هذه الألفاظ الأربعة "(1). وهنا يؤكد الفخر الرازي أن التوراة التي كانت مع المسيح هي الكتاب الإلهي.

وجاء في ابن كثير: " فالتوراة هو الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى بن مريم عليهما السلام. وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا وهذا "(2).

وجاء في تفسير ابن عطية: " الكتاب " " التوراة " هي المنزلة على موسى عليه السلام، ويروى أن عيسى كان يستظهر التوراة وكان أعمل الناس بما فيها، ويروى أنه لم يحفظها عن ظهر قلب إلا أربعة، موسى ويوشع بن نون وعزير وعيسى عليهم السلام "(3).

وجاء في تفسير الخازن: " ويعلمه الكتاب " والتوراة " يعني التي أنزلت على موسى".

وقال أبو حيان: " روي أن عيسى كان يستظهر التوراة، ويقال لم يحفظها عن ظهر قلب غير: موسى، ويوشع، وعزير، وعيسى".

وجاء في مختصر ابن كثير للصابوني: " فالتوراة هو الكتاب الذي أنزل على موسى بن عمران، والإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم عليهما السلام، وقد كان عيسى عليه السلام يحفظ هذا".

كما قالوا في تفسير قوله: " َمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التوراة وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي " (آل عمران: 50(:

قال الطبري: " قيل: " وَمُصَدّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتوراة " لأن عيسى صلوات الله عليه كان مؤمناً بالتوراة مقرّاً بها، وأنها من عند الله، وكذلك الأنبياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك، مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملاً بالتوراة، لم يخالف شيئاً من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشدّداً عليهم فيها".

وقال الرازي: " لأن التصديق بالتوراة لا معنى له إلا اعتقاد أن كل ما فيها فهو حق وصواب... وأيضاً إذا كانت البشارة بعيسى عليه السلام موجودة في التوراة لم يكن مجيء عيسى عليه السلام وشرعه مناقضاً للتوراة".

وقال القرطبي: " كان مؤمنا بالتوراة مقرا بها، وأنها من عند الله... مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملا بالتوراة، لم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله

عن أهلها في الإنجيل مما كان مشددا عليهم فيها".

وقال المفسرون في تفسير قوله: " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التوراة وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " (المائدة: 46). أنه رأى التوراة حقا وأن التوراة التي كانت بين يديه هي نفسها التوراة التي أنزلت على موسى.

فقد جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: " مصدقا لما بين يديه " يعني التوراة؛ فإنه رأى التوراة حقا، ورأى وجوب العمل بها".

وجاء في مختصر تفسير ابن كثير: " أي مؤمنا بها حاكماً بما فيها... أي متبعاً لها غير مخالف لما فيها إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه".

وقال الرازي: " معنى كون عيسى مصدقاً للتوراة أنه أقر بأنه كتاب منزّل من عند الله، وأنه كان حقاً واجب العمل به قبل ورود النسخ. السؤال الثاني: لم كرر قوله " مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ " والجواب: ليس فيه تكرار لأن في الأول: أن المسيح يصدق التوراة، وفي الثاني: الإنجيل يصدق التوراة".

وقال ابن كثير: " أي: مؤمناً بها، حاكماً بما فيها... " وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتوراة " أي: متبعاً لها، غير مخالف لما فيها، إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ما كانوا يختلفون فيه".

وجاء في تفسير الخازن: " وقفينا على آثارهم... بعيسى ابن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة " يعني أن عيسى عليه السلام كان مصدقا بأن التوراة منزلة من عند الله عزّ وجل".

وجاء في تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للقمي النيسابوري: " مصدّقاً لما بين يديه " أي مقراً بأن التوراة كتاب منزل من عند الله تعالى وأنه كان حقاً واجب العمل به".

وهكذا يؤكد لنا القرآن والمفسرون وعلماء الإسلام أن التوراة وكتب الأنبياء كانت كما هي، مثلما نزلت على موسى النبي والأنبياء، مع المسيح وبين يديه، وكان حافظاً لها ومتمسكاً بها ومتمماً لما جاء بها عنه. وأنه من المستحيل أن تكون قد فقدت أو ضاعت أو أنها غير التي كتبها موسى النبي والأنبياء، لأنها كانت مع المسيح وبين يديه وأنه كان هو وموسى ويشوع وعزرا حافظين لها لذا فمن المستحيل أن تكون قد فقدت أو تغيرت أو تبدلت فيما بين موسى والمسيح، أو أنها كتبت فقط أيام عزرا!!!

 

2 – الدقة المتناهية في نقل التوراة عبر آلاف السنين وحفظ الله لها:

ونوضح لسيادته ولغيره ممن يعنيهم هذا الأمر، من خلال كلام العلماء والمختصين، أن الله حفظ التوراة فجعل علماء اليهود المختصين بذلك يقومون بنقل التوراة بدقة لا مثيل لها على الإطلاق، عبر آلاف السنين، فالله يقول " أنا ساهر على كلمتي لأجريها " (ار1: 12). فقد وضعوا معايير صارمة عند نسخ كل نسخة من التوراة وبقية أسفار العهد القديم تضمن نقل كل كلمة وكل حرف بكل دقة. فيسجل صموئيل ديفيدسون في كتابه " النص العبري للعهد القديم "(4) بعض من القواعد التي وضعها علماء التلمود للحفاظ على سلامة النص الكتابي ووصوله بدقة متناهية. وفيما يلي هذه القواعد الصارمة:

(1) يجب أن يدون درج المجمع على جلد حيوان طاهر.

(2) يجب أن يعده للاستخدام الخاص من قِبَل المجمع شخص يهودي.

(3) يجب أن تُضَم صفحات الدرج معاً بخيوط مأخوذة من حيوانات طاهرة.

(4) يجب أن تحتوي كل صفحة من الجلد على عدد معين من الأعمدة ثابت في المخطوطة كلها.

(5) يجب ألا يقل طول أي عمود عن 48 سطراً وألا يزيد عن 60 سطراً، ويجب أن يشتمل السطر على ثلاثين حرفاً.

(6) يجب أن تحاذي أوائل السطور في النسخة كلها، وإذا وجِدت ثلاث كلمات دون محاذاة لا يعتد بهذه النسخة.

(7) يجب أن يستخدم الحبر الأسود وليس الأحمر أو الأخضر أو أي لون آخر، ويجب أن يعد طبقاً لمواصفات محددة.

(8) يجب أن يتم النقل عن نسخة معتمدة لا يحيد عنها الناسخ بأي حال من الأحوال.

(9) يجب ألا يعتمد الناسخ على ذاكرته في تدوين أي كلمة أو حرف ولو كان أصغر الحروف، ما لم يكن الكاتب قد نقل عن المخطوطة التي أمام عينيه...

(10) يجب أن يفصل بين كل حرفين ساكنين مسافة شعرة أو خيط.

(11) وأن يفصل بين كل فقرتين مسافة تسعة حروف ساكنة.

(12) وبين كل سفرين ثلاثة أسطر.

(13) يجب أن ينتهي السفر الخامس من أسفار موسى بسطر تام وليس هذا ضرورياً بالنسبة للأسفار الأخرى.

(14) علاوة على ذلك، يجب أن يرتدي الناسخ الثياب اليهودية كاملة.

(15) وأن يغسل بدنه كله.

(16) وألا يبدأ في كتابة اسم الله بقلم حالما أخرجه من مدواة الحبر.

(17) وإن خاطبه ملك أثناء تدوينه لهذا الاسم يجب ألا يلتفت إليه.

 

ويضيف دفيدسون أن: الكتب التي لا يلتزم عند تدوينها بهذه القواعد كان مصيرها الدفن في الأرض أو الحرق، أو كانت تؤخذ إلى المدارس حيث كانت تستخدم ككتب للقراءة.

ومن هنا كانت كل نسخة جديدة تنسخ تكون صورة طبق الأصل للنسخة الأقدم، المنقولة عنها، ولذا كان يتم اعتمادها ويعطونها نفس صلاحيات القديمة.

ويقول فريدريك كنيون العالم الأثري ومدير المتحف البريطاني الأسبق في كتابه " كتابنا المقدس والمخطوطات القديمة "(5) عن ضياع المخطوطات القديمة: " إن الحرص الشديد الذي كان يتَّبع عند نسخ المخطوطات هو نفسه السبب في اختفاء النسخ القديمة. فعندما كانت تنسخ المخطوطة طبقاً للمواصفات الدقيقة المنصوص عليها في التلمود، وبعد أن يتم التحقق من صحتها تماماً كانوا يقبلونها كنسخة معتمدة، لها نفس قيمة النسخ الأخرى. وإذا تطابقت نسختان تماماً وبشكل صحيح فإن عنصر القِدَم لم يكن عنصر إيجاب للإبقاء على المخطوطة بل عنصر سلْب، إذ أن المخطوطة كانت عرضة للبلاء والتلف بمرور الوقت. وكانت النسخة التالفة أو غير السليمة تفرز حالاً وتعد غير ملائمة للاستخدام.

وكان ملحقاً بكل مجمع جنيزة هي خزانة للأشياء القديمة كانت توضع بها المخطوطات التالفة جانباً، ومن هذه الخزانات تم اكتشاف بعض المخطوطات الأكثر قِدَماً في العصور الحديثة.

ومن هنا لم تجري العادة اليهودية على اعتبار النسخة الأقدم من الأسفار المقدسة هي الأكثر قيمة، ولكن على تفضيل النسخة الأحدث كنسخة سليمة لا يلحقها التلف. أما النسخ القديمة التي كانت تودع في الجنيزة فكان يصيبها التلف والفناء بشكل طبيعي إما بسبب الإهمال أو بسبب حرقها بشكل مقصود عندما كانت الجنيزة تمتلئ عن آخرها.

ومن ثم فإن غياب النسخ القديمة جداً للكتاب المقدس العبري لا يجب أن تثير دهشتنا أو قلقنا. وإذا أضفنا للأسباب التي ذكرناها عصور الاضطهاد المتكررة (بما فيها من تدمير للممتلكات) التي تعرض لها اليهود، يمكننا تعليل اختفاء المخطوطات القديمة، كما يمكننا قبول المخطوطات الباقية بما تحفظه لنا - أي النص الماسوري.

ويقول أحد علماء النقد النصي وهو ف ف بروس: " كان الماسوريون على درجة عالية من العلم، وتعاملوا مع النص بأقصى درجات الاحترام والتبجيل ووضعوا نظاماً معقداً لحفظه من زلات الكتبة. فعلى سبيل المثال قاموا بإحصاء عدد المرات التي ورد فيها كل حرف من حروف الهجاء في كل سفر، وحددوا الحرف الأوسط في الأسفار الخمسة الأولى والحرف الأوسط في الكتاب المقدس العبري كله. كما قاموا بحسابات أخرى أكثر دقة وتفصيلاً من هذه. ويقول ويلر روبنسون إنهم أحصوا كل ما هو قابل للإحصاء. ولقد ألَّفوا عبارات قصيرة تيسر لهم تذكر الإحصاءات المختلفة "(6).

وعلى سبيل المثال فقد كان الكتبة يعرفون ما إذا كان سفر إشعياء أو العهد القديم كله مثلاً خالياً من حرف ساكن معين. لقد وضعوا الكثير من القواعد التي تضمن لهم الحصول على نسخة طبق الأصل عند الانتهاء من نسخها.

ويقول السير فريدريك كنيون أيضاً: " إضافة إلى تسجيلهم للقراءات التقليدية والحديثة المختلفة، قام الماسوريون بعدد من الإحصاءات التي لا تقع في نطاق النقد النصي العادي. لقد أحصوا آيات وكلمات وحروف كل سفر. كما حسبوا موقع الكلمة الوسطى والحرف الأوسط في كل منها. كما أحصوا الآيات التي اشتملت على كل حروف الهجاء أو عدد معين منها. وهذه الإجراءات التي لا قيمة لها، من وجهة نظرنا،كان لها رغم ذلك أثر في توفير العناية التامة للنقل الصحيح للنصوص، وهي تدل على الاحترام البالغ للأسفار المقدسة الذي لا يستحق إلا الثناء. لقد كان الماسوريون حقاً حريصين على ألا يسقط أو يضيع أي شئ ولو كان نقطة أو حرفاً صغيراً أو حتى جزء من حرف الناموس "(7).

مما سبق يتبين لنا الكيفية التي حافظ بها علماء اليهود على نقل مخطوطات العهد القديم بكل دقة وحرص وتقديسهم الشديد للأسفار المقدسة. وبحسب ما جاء في التلمود " كانت هناك مواصفات ليس فقط لنوع الجلد المستخدم وحجم الأعمدة، ولكن الكاتب كان عليه أن يؤدي طقساً دينياً معيناً قبل تدوين اسم الله. كما نصت القواعد على نوع الحبر المستخدم والمسافة بين الكلمات وحظرت تدوين أي شئ من الذاكرة. كان يتم إحصاء السطور - وكذلك الحروف - بأسلوب منهجي. ولو وجد بالمخطوطة خطأ واحد كان يتم التخلص منها. كانت الإجراءات الشكلية التي تمسَّك بها الكتبة مسئولة، ولو بشكل جزئي على الأقل، عن الحرص الشديد الذي كان يتبع عند نسخ الأسفار المقدسة. وهذا هو السبب في قلة عدد المخطوطات (إذ كانت القواعد تنص على التخلص من النسخ المعيبة)(8).

ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس (36 – 100م): " ويوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه الكتب، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو يغير أي شئ منها. بل أنه طبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه الكتب هي تعاليم الله ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون سعداء لأجلها. فكم من المرات شاهدنا الأسرى وهم يكابدون ألوان العذاب والموت في المسارح مفضلين ذلك على أن ينبثوا بكلمة واحدة "(9).

 

3 – هل هناك أكثر من توراة؟

ومن أغرب بل ومن أعجب ما يقوله د زغلول النجار هو قوله: " ويجمع دارسو العهد القديم علي أن سفر حزقيال وضع أولا‏،‏ ثم ركبت حوله بقيه الأسفار الموضوعة‏،‏ ولذلك كان لليهود أكثر من توراة مثل التوراة البابلية‏،‏ توراة القدس‏،‏ والتوراة البيضاء‏،‏ والتوراة السامرية والسبعينية والعبرية واليونانية وغيرها‏ "!!

وهنا نسأل سيادته من قال هذا الكلام الباطل وما هو دليلك ودليله ليتك تأتينا به؟! فقد كانت التوراة، كما بينا أعلاه، مكتوبة قبل سفر حزقيال بحوالي 900 سنة لأن سفر حزقيال مكتوب حوالي سنة 590 ق م ومزامير داود النبي كتبت فيما بين 1000 و950 ق م ومعظم أسفار العهد القديم الأخرى كإشعيا وإرميا وميخا 00 الخ كتبت قبل سفر حزقيال!!

كما نقول له يا سيادة الدكتور كيف تتكلم عن أمور لا تعرف عنها شيئاً وتدعي العلم فيها؟!! فما معنى قولك: " أكثر من توراة مثل التوراة البابلية‏،‏ توراة القدس‏،‏ والتوراة البيضاء‏،‏ والتوراة السامرية والسبعينية والعبرية واليونانية وغيرها "؟!!! يا فضيلة الدكتور لا يوجد إلا توراة واحدة هي توراة موسى النبي والتي كانت مكتوبة بالعبرية وقد أخذ عنها السامريون نسخة سميت بالتوراة السامرية نسبة إلى السامرة عاصمة مملكتهم، ثم ترجمت إلى اللغة اليونانية فسميت بالترجمة اليونانية ولأن التاريخ يقول أن الذين قاموا بترجمتها هم سبعون من علماء اليهود لذا سميت بالسبعينية. أما ما تسميه بالتوراة البابلية وتوراة القدس فلا علاقة له بالتوراة بل هو ما يسميه علماء اليهود بالتلمود البابلي وهو شروحات وتفاسير للتوراة وتقاليد اليهود والتي كانت مع اليهود الذين كانوا يقيمون في بابل، وتلمود القدس أو الأورشليمي الذي كان يستخدمه يهود فلسطين(10).

كما أن التوراة السامرية ليست توراة أخرى بل هي إحدى مخطوطات النص العبري ذاته. وهي تضم أسفار موسى الخمسة، وقد تم تدوينها بالكتابة العبرية القديمة، أو الخط العبري القديم أو الخط الكنعاني الشبيه بالكتابة على حجر موآب، والنقش في سلوام، وألواح لخيش، وعلى الأخص ببعض مخطوطات قمران. وقد وجدت بعض مخطوطات الكتاب المقدس الأكثر قدماً في قمران مدوَّنة بهذه الكتابة التي تم إحياؤها في القرن الثاني ق.م أثناء الثورة المكابية على الحكم الإغريقي. وتقترب من النص التفسيري أكثر من النص الحرفي، لذا تتفق أحيانا مع النص العبري المأخوذة عنه أصلاً وأحيانا مع الترجمة اليونانية، وأحياناً تختلف عن العبرية أو عن السبعينية في كونها ليست نقلاً حرفياً، كما تختلف أحياناً عن الاثنتين. وبالرغم من بعض الاختلافات بين النسخة السامرية والنسخة العبرية الماسورية، إلا أن أغلب هذه الاختلافات هي أخطاء في النسخ لا تمس أي حقيقة جوهرية واختلافات في فهم بعض معاني الكلمات مثل كلمة " روح " في العبرية التي وردت في بداية سفر التكوين: " وروح الله يرف على وجه المياه " (تك1: 2)، والتي تعنى " روح " كما تعنى " رياح " فنقلتها السامرية " رياح " بينما التزمت الترجمات الأخرى بترجمتها " روح " كما تدل على ذلك القرينة وسياق الكلام، الذي يتكلم عن عمل الله الخلاق.

ولكن هناك بعض الأخطاء التي ترجع إلى تغييرات مقصودة لتأييد بعض عقائدهم مثل تغيير عيبال إلى جرزيم (تث 27: 4). ولكن لا ننسي أنها مأخوذة عن النص العبري الذي هو الأصل وأن التوراة السامرية كانت بين يدي أناس حاولوا تثبيت عقيدتهم من جهة مكان هيكل عبادتهم في جبل جرزيم. كما أن أقدم مخطوطاتها لا ترجع لأكثر من القرن الثاني عشر أو الحادي عشر بعد الميلاد وأن النص العبري هو الأصل والذي تزيد مخطوطاته في القدم عن السامرية بحوالي 1400 سنة وكلما كانت المخطوطات أقدم كلما كانت أقرب إلى الأصل، كما أثبتت اكتشافات قمران أن التوراة السامرية منقولة، أصلاً، عن قراءة عبرية متنوعة وجد نموذج لها في مخطوطة لسفر الخروج (خر ب 4ق) بالعبرية القديمة، ومخطوطة أخرى لسفر العدد (عد ق 4ق) بالخط المربع، الآرامي(14).

كما أن الترجمة اليونانية السبعينية هي ترجمة عن الأصل العبري والاختلاف بينهما راجع لأنها ترجمة تفسير تنقل المعنى أكثر ما تنقل الكلمة حرفياً، وعلى سبيل المثال ما جاء في (تك10: 49) قوله " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون (شيلوه) وله يكون خضوع شعوب " أي المسيا الآتي، وقد وردت العبارة الأخيرة في الترجمة اليونانية " وإياه تنتظر الأمم (أو تتوقع الأمم) - he is the expectation of nations "، والنص اليوناني يترجم معنى العبارة ويضعها في قالب تفسيرى يركز على عقيدة المسيا الآتي، المسيح المنتظر، دون المساس بجوهر العقيدة.

 

---

(1) الرازي ج 4: 212.

(2) ابن كثير ج 2: 441.

(3) ابن عطية 2: 44.

(4) Davidson, The Hebrew Text of the Old Testament, p89.

(5) Kenyon, Our Bible and the Ancient Manuscript, p43.

(6)F F Bruce, the Books and the Parchments, p117.

(7) Kenyon. p38.

(8) Geisler, Baker Encyclopedia of Christian Apologetics, p552.

(9) Josephus, Against Ebion. 1: 8.

(10) جاء في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للأستاذ عبد الوهاب المسيري: " " التلمود " كلمة مشتقة من الجذر العبري " لامد " الذي يعني الدراسة والتعلم كما في عبارة " تلمود توراه "، أي " دراسة الشريعة". ويعود كل من كلمة " تلمود " العبرية وكلمة " تلميذ " العربية إلى أصل سامي واحد. والتلمود من أهم الكتب الدينية عند اليهود، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، أي تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة)... وهناك تلمودان: (1) التلمود الفلسطيني: وينسبه اليهود خطأً إلى أورشليم (القدس) فيقولون " الأورشليمي. (2) والتلمود البابلي: وهو نتاج الحلقات التلمودية (أكاديمية - يشيفا) في العراق (بابل)، وأشهرها سورا ونهاردعه وبومبديثا. ويُعرَف هذا التلمود في حالات نادرة جداً باسم " تلمود أهل الشرق".

(14) وهي الآن محفوظة في مجمع نابلس ولكن بسبب بعض الكوارث أصاب التلف الجزء الأكبر من المخطوطة، ولم يبق من المخطوطة القديمة سوى الإصحاحات الثلاثة الأخيرة من سفر العدد مع كل سفر التثنية. وأقدم النسخ الموجودة من التوراة السامرية عليها ملحوظة بمبيعها في 1150م، ولكن الأرجح أن المخطوطة نفسها أقدم من ذلك ببضعه قرون. وتوجد مخطوطة مكتوبة في 1204م، بينما توجد مخطوطة أخرى ترجع إلى 1211/1212م محفوظة في مجموعة مكتبة إيلندز في مانشستر، وأخرى ترجع إلى 1232م في المكتبة العامة بنيويورك. دائرة المعارف الكتابية ج 4: 323.

الرد الثالث

هل فقدت التوراة منذ أيام موسى

وأعاد اليهود كتابتها من الذاكرة؟

 

ثم يتخطى سيادة الدكتور كل حدود الحقيقة والبحث العلمي والمنطق ويقول زاعماً: " يعترف العهد القديم بان توراة موسي قد فقدت‏،‏ ولذلك اخذ اليهود يكتبون عنها من الذاكرة ما تناقله كل من الأجداد والآباء للأحفاد والأبناء عبر أكثر من ثمانية قرون كاملة‏،‏ وذلك في زمن عزرا وقد استغرقت كتابتها قرابة قرن من الزمان وبذلك اكتملت كتابتها عبر تسعمائة سنه "!! بل والأغرب أنه يضع آيات قرآنية يخدع بها القاريء زاعما أنها تؤيد أكاذيبه ومزاعمه الباطلة دون أن تكون لها أدنى صلة بالموضوع فيقول: "‏ ولذلك قال سبحانه في اليهود‏:...‏ َمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ...‏ ‏(‏المائده‏: 41)‏

وقال عز من قائل‏: ‏ إِنَّا أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء ‏..‏ ‏(‏المائدة‏: 44)‏.

ثم يكمل مزاعمه وادعاءاته الباطلة التي لا أساس لها ولا أصل ولا دليل فيقول: " ثم فقدت كتابات عزرا أيام اجتياح كل من انطيوخس الثالث والرابع لأرض فلسطين في الفترة من‏198‏ ق‏.‏م إلى‏164‏ ق‏.‏م‏،‏ ثم في استباحه هيرودوس الروماني الآدومي في الفترة من‏38‏ ق‏.‏م إلي‏4‏ ق‏.‏م‏ "!!

ويستمر في ادعاءاته الكاذبة والباطلة والمفتراة فيقول: " وعند بعثه المسيح قام اليهود بحرق ما بقي بأيديهم من التوراة لإخفاء البشارة بكل من نبوته ونبوه محمد صلي الله عليه وسلم وكرروا ذلك بعد بعثه خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين لإخفاء البشارة ببعثته الشريفة كذلك‏،‏ وصاغوا كتبا جديدة في القرن السابع الميلادي بأوامر من محفل الشورى اليهودي‏.‏ وقد استمر التحريف فيها لأكثر من ثمانمائة سنه ولم تطبع إلا في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي تحت مسمي العهد القديم وهو مسمي من وضع البشر لان الله تعالي لم ينزل كتابا بهذا الاسم‏.‏ وحتى هذا المؤلف ظل يتعرض للتحريف بعد التحريف وللتعديل تلو التعديل‏،‏ وللإضافة والحذف إلي يومنا الراهن‏،‏ ولذلك قال ربنا تبارك اسمه في اليهود‏:...‏ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ‏...‏ ‏(‏المائدة‏: 13).‏

وسنبرهن بالدليل العلمي والمنطق والوثيقة والبرهان بطلان وكذب كل ما ادعاه بغير علم ولا دليل ولا منطق في النقطتين التاليتين:

(1) كانت التوراة محفوظة أيام موسى النبي: فعندما كتب موسى التوراة أو الأسفار الخمسة حسب وصية الله له سلمها للكهنة واللاويين الذين كانوا يحفظون ما جاء بها قبل أن تكتب ووضعوها إلى جوار تابوت العهد في خيمة الاجتماع " وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل " وقال لهم " خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدا عليكم " (تث9: 31؛26). وكانت هي أساس ومصدر التعليم والشريعة التي سار بمقتضاها بنو إسرائيل، الأنبياء والملوك والكهنة والشعب، وحفظوا ما جاء بها بناء على وصية الرب وموسى النبي لهم والتي تكررت أكثر من 75 مرة في أسفار الخروج واللاويين والعدد والتثنية. كما تأمر التوراة كل ملك من بنى إسرائيل " عندما يجلس على كرسي مملكته يكتب لنفسه نسخة من هذه الشريعة في كتاب من عند الكهنة اللاويين فتكون معه ويقرا فيها كل أيام حياته لكي يتعلم أن يتقي الرب إلهه ويحفظ جميع كلمات هذه الشريعة وهذه الفرائض ليعمل بها " (تث18: 17،19).

 

وكانت هذه التوراة مع يشوع بن نون تلميذ موسى النبي والذي رآها وهى تكتب " فقال الرب لموسى أكتب هذا تذكاراً في الكتاب وضعه في مسامع يشوع " (خر14: 17)، وبعد موت موسى النبي وتكليف الله ليشوع لقيادة الشعب أوصاه الله بهذه الوصية قائلا " إنما كن متشددا وتشجع جدا لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تمل عنها يمينا ولا شمالا لكي تفلح حيثما تذهب لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك بل تلهج فيه نهارا وليلا لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه لانك حينئذ تصلح طريقك وحينئذ تفلح " (يش7: 1،8). وكان يحفظها بنو إسرائيل عن ظهر قلب. لذا يقول المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس معاصر تلاميذ المسيح (36 - 100م) كانت " هذه النواميس محفورة في أرواحهم ومحفوظة في ذاكرتهم وكان لها سلطان أعظم بينهم وهذا ما نعرفه مما كان عليهم وذلك لما يكابدوه إذا كسروها "(1).

وكان داود النبي والملك يحفظ هذه التوراة عن ظهر قلب بناء على وصية الله وكانت وصيته لأبنه سليمان هي " احفظ شعائر الرب إلهك إذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه وأحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت " (1مل3: 2).

وكانت التوراة موجودة في كل مراحل تاريخ أنبياء إسرائيل، ولذا تتكرر في كتب الأنبياء عبارات مثل: " حسب ما هو مكتوب في سفر شريعة موسى " (2مل 6: 14)، " حسب كل شريعة موسى " (2مل25: 23)، " حسب كل ما هو مكتوب في شريعة الرب التي أمر بها إسرائيل " (1أى40: 16)، " كما هو مكتوب في شريعة موسى بالفرح والغناء حسب أمر داود " (2أى18: 23)، " كما هو مكتوب في الشريعة في سفر موسى حيث أمر الرب قائلا " (2أى4: 25)، " كناموس موسى رجل الله كان " (2أى16: 30)، " كما هو مكتوب في شريعة الرب " (2أى3: 31).

وعندما توقف الكهنة عن قراءة أسفار موسى الخمسة في الهيكل في أيام حكم الملوك الذين ارتدوا عن عبادة الله الحي وعبدوا الأوثان مثل منسى (696 - 642 ق م) وآمون (642 - 640 ق م)، لم يترك الله نفسه بلا شاهد فعند ترميم الهيكل أثناء حكم الملك يوشيا (640 - 609 ق م) وجد حلقيا الكاهن هذه الأسفار في الهيكل وكانت سبباً في إصلاح عظيم (2مل 22). ويجمع العلماء على أن هذه الأسفار التي وجدت في الهيكل هي هي نفس النسخة، الأصل، التي كتبها موسى النبي نفسه بيده أو على أقل تقدير نسخة منقولة عنها مباشرة، وأن كانت الغالبية العظمى ترى أنها نفس النسخة التي كتبها موسى النبي بنفسه.

كما كانت توراة موسى النبي وجميع أسفار الأنبياء الآخرين الذين أتوا حتى إرميا النبي، مع المسبيين في بابل وعلى رأسهم دانيال النبي والفتية الثلاثة وحزقيال النبي، ويعبر دانيال النبي عن وجود هذه الكتب معه بقوله: " أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي لكماله سبعين سنة على خراب أورشليم " (دا2: 9 مع ار11: 25-12).

وكان هؤلاء المسبيون في بابل متجمعين في منطقة تل أبيب على نهر خابور (حز15: 3) وكان معهم كهنتهم وشيوخهم فأقاموا المجامع كبديل للهيكل وذلك لتعليم كلمة الله والصلاة. وكانوا يحتفظون فيها بالأسفار المقدسة التي كانوا يقرءونها في أيام السبت من كل أسبوع وفي الأعياد ويحفظون منها كلمة الله. وكانت لهذه المجامع ترتيباتها الخاصة والتي تشمل قراءة " الشما " أي التلاوة وهى الاعتراف بوحدانية الله وتتكون من (تثنية 4: 6-9؛13: 11-21؛عدد37: 15-41) وقراءة الناموس (أسفار موسى الخمسة) الذي كان منقسما إلى مائة وأربعة وخمسين جزءاً تقرأ بالترتيب على ثلاث سنوات ثم قراءة جزء مناسب من أسفار الأنبياء. كما كانت تقرأ في جميع المجامع التي انتشرت بين المسبيين كما انتشرت مع انتشار اليهود في الشتات في بلاد كثيرة مثل عيلام وبارثيا وأرمينيا وميديا وأسيا الصغرى (تركيا) ومصر، ويذكر سفر أعمال الرسل وجود المجامع بغزارة سواء في فلسطين أو في بلاد العالم الأخرى؛ في دمشق (أع20: 9) وسلاميس بقبرص (أع5: 13) وبرجة وإنطاكية بيسيدية (أع14: 13) وايقونية (أع1: 14) وبيرية (أع10: 17) وتسالونيكي (أع1: 17) وافسس (أع19: 18) باليونان وآسيا الصغرى وروما...الخ. ويعبر القديس بطرس عن قراءة التوراة في مئات المجامع في مدن كثيرة هذه بقوله أمام الرسل والمشايخ بأورشليم " لان موسى منذ أجيال قديمة له في كل مدينة من يكرز به إذ يقرأ في المجامع كل سبت " (أع21: 15). وهذا يؤكد لنا وجود نسخ من الأسفار المقدسة في كل مكان في العالم كان يوجد فيه اليهود ومجامعهم.

وكانت التوراة مع المسبيين عند عودتهم من السبي " الذين بنوا مذبح الهيكل " ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله " (عز2: 3)، وكان معهم النبيان حجى وزكريا اللذان أضاف الروح القدس سفرين آخرين بواسطتهما. وكان على رأس المجموعة الثانية العائدة من السبي (458 ق م) عزرا الذي يصفه الكتاب بأنه " كاتب ماهر في شريعة موسى " (عز6: 7) و" الكاهن الكاتب كاتب كلام وصايا الرب وفرائضه " (عز11: 7) و" عزرا الكاهن كاتب شريعة اله السماء " (عز12؛7) والذي " هيأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء " (عز10: 7) وكان دارسا للأسفار المقدسة ومفسرها ومترجمها (شفوياً) إلى الآرامية ورتب قراءة الناموس والأنبياء وأسس المجمع العظيم (السنهدرين) (نح8 - 10؛ المشنا 200 م). وتقول المشنا (ابوت 1: 1):

"أستلم موسى الناموس من سيناء وسلمه ليشوع ويشوع سلمه للشيوخ والشيوخ سلموه للأنبياء والأنبياء سلموه لرجال المجمع العظيم".

عزرا هذا وقف مع نحميا والمتعلمين في الشعب واللاويين وقرأ التوراة أمام الشعب على مدى يوم كامل، يقول الكتاب: " أجتمع كل الشعب كرجل واحد إلى الساحة التي أمام باب الماء وقالوا لعزرا الكاتب أن يأتي بسفر شريعة موسى التي أمر بها الرب إسرائيل. فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء وكل فاهم ما يسمع في اليوم الأول من الشهر السابع. وقرأ فيها أمام الساحة التي أمام باب الماء من الصباح إلى نصف النهار أمام الرجال والنساء والفاهمين وكانت آذان كل الشعب نحو سفر الشريعة... وفتح عزرا السفر أمام كل الشعب لأنه كان فوق كل الشعب وعندما فتحه وقف كل الشعب... وقرأوا في السفر في شريعة الله ببيان وفسروا المعنى وافهموهم القراءة " (نح1: 1-8).

وفي أيام المكابيين: حاول الملك السوري أنتيوخس (الرابع) أبيفانس (175 -164 ق م) أن يستأصل الديانة اليهودية في فلسطين من جذورها فأصدر أمراً بتمزيق وحرق الأسفار المقدسة ويقول سفر المكابيين " وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار وكل من وجد عنده سفر من العهد أو أتبع الشريعة كان يقتل بأمر الملك " (1مك56: 1-57). ومع ذلك فلم ينجح لأن الأسفار المقدسة كانت موجودة في كل المجامع اليهودية في دول كثيرة كان على رأسها مصر، كما كانت موجودة مع الغيورين من الشعب وقادته من رجال الدين وغيرهم فاجتمعوا على المصفاة على بعد 13 كيلو من أورشليم " ونشروا الشريعة " كما يقول سفر المكابيين (1مك48: 3) ولما انتهت الحرب يقول السفر " جمع يهوذا (المكابى) كل ما بعثر من الأسفار في الحرب التي حدثت لنا وهو عندنا".

ومن أقوى الشهادات والأدلة، بعد العهد الجديد، لعقيدة وحي أسفار العهد القديم وقانونيتها هو ما كتبه الكاهن والمؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاصر كرازة تلاميذ المسيح ودمار الهيكل سنة 70 م، والذي حصل على نسخ الأسفار المقدسة، العهد القديم، الرسمية التي كانت محفوظة في الهيكل قبل دماره مباشرة، بأذن من الإمبراطور الروماني تيطس، والتي ترجع بالقطع إلى أيام زربابل وعزرا ونحميا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد. حيث يقول في كتابه ضد ابيون (8: 1):

" لدينا فقط اثنان وعشرون كتابا تحتوى على سجلات كل الأزمنة الماضية، والتي نؤمن حقا إنها إلهية. خمسة منها لموسى تحتوى على نواميسه وتقاليد أصل الجنس البشرى حتى وفاته (موسى)... ومن موت موسى إلى حكم ارتحشتا كتب الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى ما حدث في أيامهم في ثلاثة عشر كتابا والكتب الأربعة الباقية تحتوى على ترانيم لله ومبادئ سلوكية لحياة البشر. ومن ارتحشتا إلى زماننا كتب تاريخنا (كل الأشياء سجلت) ولكن لم يقم بنفس السلطان مع أولئك الذين سبقوهم لأنه لم يكن هناك تعاقب حقيقي للأنبياء منذ ذلك الوقت.

ويوجد برهان عملي على كيفية معاملتنا لهذه الكتب، فبرغم المدة الطويلة التي انقضت حتى الآن لم يجرؤ أحد أن يضيف إليها أو أن يحذف شيئاً منها أو يغير أي شئ منها. بل أنه طبيعي لكل اليهود من يوم الميلاد مباشرة يعتبرون هذه الكتب هي تعاليم الله ويثابرون فيها وإذا دعت الضرورة يموتون سعداء لأجلها".

هذه الشهادة التي يشهدها هذا المؤرخ الذي يحمل بين يديه النسخة الرسمية المعتمدة التي كانت في الهيكل، كما يشهد هو ذاته بذلك في سيرة حياته، كافية وحدها لإبطال كل مزاعم وافتراضات ونظريات النقاد الماديين.

وكما شهد الرب يسوع المسيح وتلاميذه للتوراة ولجميع أسفار العهد القديم واقتبسوا منها 250 اقتباسا مباشرا وأشاروا إليها حوالي 2500 مرة فقد كانت بين أيدي جميع قادة الكنيسة الأولى وآبائها، الآباء الرسوليين وخلفائهم وعلى سبيل المثال يقول مليتو أسقف ساردس (حوالي 170م) أنه ذهب إلى الشرق ليعرف عدد الكتب التي يستخدمها اليهود في فلسطين، كما نقل عنه المؤرخ الكنسي يوسابيوس ك4 ف11: 26 ثم يذكرهم كالآتي:

"أسفار موسى الخمسة... يشوع وقضاة وراعوث والملوك أربعة أسفار، أخبار الأيام سفران، مزامير داود وأمثال سليمان وأيضا الحكمة والجامعة ونشيد الإنشاد وأيوب والأنبياء وإشعيا وإرمياء، الأنبياء الاثنا عشر سفر واحد، دانيال وحزقيال وعزرا. ومن هذه جعلت المجموعات التي قسمتها إلى ستة كتب".

والسؤال الآن هو كيف يزعم الدكتور زغلول النجار بغير علم ولا دليل ولا برهان أن التوراة فقدت أيام موسى النبي وأعيدت كتابتها في أيام؟!! فما ذكرناه أعلاه وما ذكره كبار مفسري القرآن يكذبه جملة وتفصيلاً!!

(2) أما عن استخدمه لقوله: " وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا " (المائدة: 41)، وكأنها تشير إلى فقدان التوراة وإعادة كتابتها أكثر من مرة، فقد جانبه الصواب أما عمدا، وهذه مصيبة! أو جهلاً وهذا ما لا نتوقعه من عالم يفترض أنه قرأ عشرات التفاسير للقرآن!! وها هو معنى هذه الآية بحسب ما جاء في تفاسير كبار المفسرين وكتب الحديث النبوي والذي لا صلة على الإطلاق له بما قاله الدكتور!!

يقول الرازي: " يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ " أن المراد بالتحريف: إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح، الثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي... ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه، المسألة الرابعة: ذكر الله تعالى ههنا: " عَن مَّوٰضِعِهِ " وفي المائدة " مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ " [المائدة: 41] والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله: " يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ " معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب".

وهذا ما يؤكده القرطبي في تفسيره: " يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله، وَذَمَّهُمْ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ مُتَعَمِّدِينَ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ " الْكَلَام "، قَالَ النَّحَّاس: و " الْكَلِم " فِي هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَرِّفُونَ كَلِمَ النَّبِيّ... أَوْ مَا عِنْدهمْ فِي التوراة وَلَيْسَ يُحَرِّفُونَ جَمِيع الْكَلَام وراعنا ذَكَرَ شَيْئًا آخَر مِنْ جَهَالَات الْيَهُود وَالْمَقْصُود نَهْي الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْل ذَلِكَ، وَحَقِيقَة " رَاعِنَا " فِي اللُّغَة اِرْعَنَا وَلْنَرْعَك؛ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَة مِنْ اِثْنَيْنِ؛ فَتَكُون مِنْ رَعَاك اللَّه، أَيْ اِحْفَظْنَا وَلْنَحْفَظْك، وَارْقُبْنَا وَلْنَرْقُبْك، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ أَرْعِنَا سَمْعَك؛ أَيْ فَرِّغْ سَمْعَك لِكَلَامِنَا".

ويقول ابن كثير: " ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " مِنْ الَّذِينَ هَادُوا " مِنْ فِي هَذَا لِبَيَانِ الْجِنْس كَقَوْلِهِ " فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان " وَقَوْله يُحَرِّفُونَ الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْر تَأْوِيله وَيُفَسِّرُونَهُ بِغَيْرِ مُرَاد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَصْدًا مِنْهُمْ وَافْتِرَاء " وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا " أَيْ سَمِعْنَا مَا قُلْته يَا مُحَمَّد وَلَا نُطِيعك فِيهِ هَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَهُوَ الْمُرَاد وَهَذَا أَبْلَغ فِي كُفْرهمْ وَعِنَادهمْ وَأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ عَنْ كِتَاب اللَّه بَعْدَمَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة".

(3) كما نسأل فضيلة الدكتور من أين جاء بقوله: " وعند بعثه المسيح قام اليهود بحرق ما بقي بأيديهم من التوراة لإخفاء البشارة بكل من نبوته ونبوه محمد صلي الله عليه وسلم وكرروا ذلك بعد بعثه خاتم الأنبياء والمرسلين صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين لإخفاء البشارة ببعثته الشريفة كذلك‏،‏ وصاغوا كتبا جديدة في القرن السابع الميلادي بأوامر من محفل الشورى اليهودي "!!! فقد كانت التوراة في الهيكل في أورشليم والمجامع في كل دول حوض البحر المتوسط على الأقل كما كانت مع المسيح وتلاميذه، كما بينّّا وكما أكد القرآن، كما قام اليهود بعمل ثلاث ترجمات لها إلى اليونانية في القرن الثاني الميلادي، وهي ترجمات أكويلا وسيماخوس وثيودوتون؟؟!! كما وجد العلماء عشرات النسخ للتوراة في جبال قمران في منطقة البحر الميت سنة 1945م وترجع للقرون الثلاثة قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، والتي تطابقت نصوصها مع مخطوطة ليننجراد والمكتوبة سنة 996م بالكلمة والحرف. وكيف يحرفها اليهود وهي بين يدي المسيحيين؟! أم بحسب نظرية المؤامرة التي يتبعها سيادته!! يرى أن كل مسيحيي ويهود العالم متآمرين ضد كتابهم المقدس!!

وأين هي الكتب التي تدعي سيادتكم أنهم صاغوها في القرن السابع الميلادي بأوامر من محفل الشورى اليهودي!! ليتك تدلنا عليها، ونحن نقدم لك جزيل الشكر على هذا المعروف!!!

ولكن قبل أن نشكر سيادتكم نقدم لك الحقيقة التي غابت عن فكركم وهي أن أخر مجمع شهير خاص بأسفار الكتاب المقدس عقده اليهود هو مجمع يامنيا أو Jamnia أو يمنه (- Yavneיַבְנֶה - يبنه) سنة 90م(2) بعد دمار أورشليم وصار بديلا لسنهدرين أورشليم اليهودي وقد عقد للتأكيد على قانونية أسفار العهد القديم ولشرح قانونية الكتابات وهي التقسيم الثالث لأسفار العهد القديم عند اليهود(3)، والتي تسمى بالكتابات " الكتوبيم – כתובים - ketuvim"، والتي تتكون من أسفار أيوب والمزامير والجامعة والأمثال ونشيد الأنشاد وأخبار الأيام وعزرا ونحميا، والتي كان كتابها الذين كتبوها بالروح القدس يعملون في وظائف مدنية إلى جانب موهبة النبوة التي أعطيت لهم، تمييزا لهم عن بقية الأسفار التي كتبها الأنبياء الذين كانوا مكرسين ومتفرغين فقط لرسالتهم النبوية. وكان من أسباب انعقاد هذا المجمع أيضاً قيام اليهود مرة أخرى لمواجهة الانتشار المسيحي القوي بين اليهود ودخول الكثيرين منهم للإيمان المسيحي فأرادوا أن يوقفوا هذه الحملة بأي شكل من الأشكال عن طريق تشكيك المسيحيين في الأسفار المقدسة التي يستخدمونها في تبشيرهم وكنائسهم الممتدة عن طريق تشكيكهم في الترجمة السبعينية المستخدمة والواسعة الانتشار آنذاك للدعوة على حث اليهود لمناهضة المسيحيين قولا وفعلا باضطهاد هؤلاء المسيحيين الكفرة كما أسموهم والدعاء عليهم باللعنة في بركة خاصة وضعوها ضمن البركات الثماني عشرة التي تتلى في صلاتهم والتي ألّفها وكتبها الفقيه صموئيل الصغير بتكليف من الفقيه غيمالائيل الثاني فقررها هذا المجمع اللصوصي وأضافها على صلواتهم. وكان من أهم توصيات المجمع:

1- يحرم على اليهودي مشاركة المسيحيين والناصريين (نصف يهود ونصف مسيحيين وقد قاومهم المسيحيين واليهود وطردوهم من كنائسهم ومجامعهم) في أكل خبز أو لحم أو شرب خمر أو ماء.

2 - تُحرق لفائف الشريعة أو عصائب التفلين (علبة جلد صغيرة يضعها اليهودي على رأسه عند الصلاة) أو الميزوزاه (أجزاء من سفر التثنية تكتب كلفافة صغيرة وتوضع عند قوائم الأبواب في بيت اليهودي لتذكيره بالشريعة عند الدخول والخروج أو لتذكيره بالدم على قوائم الأبواب عند الخروج من مصر) التي يكتبها مسيحي حرقا تاما.

3 - الحيوان الذي يذبحه مسيحي هو حيوان نجس يحرم أكله.

4 - أقرباء المسيحي الكافر لا يحق لهم إظهار شفقة أو رحمة أو تعاطف إذا مات بل عليهم الفرح والغناء والاحتفال ببهجة عند موته البغيض.

5 - لا تقبل شهادة مسيحي في المحاكم اليهودية في أية مدينة.

6 - أي إسرائيلي يجد أي شيء لمسيحي فمحرم عليه أن يرجعه له ثانية.

7 - التوصية بإصدار ترجمات يونانية جديدة للعهد القديم بدلا من الترجمة السبعينية التي يعتمد عليها المسيحيون في تبشيرهم وإعطاء هذه الترجمات الجديدة مسحة تفسيرية خاصة في الآيات والنبوات التي تتكلم عن المسيح.

8 - التوصية بتدوين التقليد اليهودي المتوارث حفظا من الضياع خاصة بعد دمار الهيكل(4).

وذلك إلى جانب تحذير اليهود من الإيمان بأسفار العهد الجديد كجزء من قانون أسفار

التوارة والأنبياء والكتب لئلا يتحولوا إلى المسيحية. واستمر ذلك حتى سنة 135م بعد انتقال السنهدرين من يامنيا أو يمنه إلى مدينة أوشا (Usha) شمال الجليل.

ويقول سيادته: " الله الذي أنزل صحف إبراهيم وأنزل التوراة وأنزل الزبور وأنزل الإنجيل وأنزل القرآن الكريم لم ينزل كتابا اسمه العهد القديم ولم ينزل كتابا اسمه العهد الجديد، هذه كلها كتب منحولة مفتراة على الله سبحانه وتعالى لا علاقة لها بالوحي السماوي الذي جاء بهذه الأديان. أما القرآن الكريم فنحن نعلم متى نزل وأين نزل ومن كاتب كل آية من الآيات هم ينقلون عن ترجمة من اللغة اليونانية القديمة وهي لغة لم يتحدثها السيد المسيح عليه السلام ولا أي من أتباعه ولذلك أقدم نسخة من الأناجيل عندهم ترجمة القرن السابع عشر الميلادي بعد ألف وستمائة سنة من رفع المسيح عليه السلام، أي حجية لهذا الكلام "!!!!

وهنا يتضح لنا عدم معرفة الدكتور زغلول النجار بكل علوم الكتاب المقدس وما يتصل به ومن هنا يتكلم كلام عشوائي جزافي يلعب فيه الخيال دورا كبيرا بلا دليل أو برهان!! ونقول له يا فضيلة الدكتور كان يجب عليك أن تدرس أولا الكتاب المقدس وعلومه قبل أن تورط نفسك ومستمعيك وقرائك في أخطاء لا تصدر لا من عالم ولا طالب ممن يدرسون الدين المقارن في الجامعات الدينية!!

أولا: فاللغة اليونانية كانت لغة الحديث في معظم دول حوض المتوسط خاصة البلاد التي تطل على سواحل البحر، وكان تلاميذ المسيح يتكلمون اليونانية مثل غيرهم من الذين عاشوا في فلسطين بل والأهم من ذلك أنهم كانوا مزودين بقوة الروح القدس الذي أعطاهم موهبة التكلم بألسنة والدليل على ذلك ما حدث يوم الخمسين، حيث يقول الكتاب: " ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا وكان يهود رجال أتقياء من كل امة تحت السماء ساكنين في أورشليم. فلما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيّروا لان كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته. فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليلين. فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها. فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكبدوكية وبنتس واسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله " (أع2: 1 -11).

ثانياً: وعن قوله " أقدم نسخة من الأناجيل عندهم ترجمة القرن السابع عشر الميلادي "!! فهذا يدل على جهل فاضح فأقدم جزء من العهد القديم لدينا يرجع لما قبل المسيح للقرن الثالث قبل الميلاد ولدينا ألاف المخطوطات التي ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد وما بعد الميلاد. ولأننا لا نقول كلاماً عشوائيا نقدم هنا الدليل تفصيلياً.

 

---

(1)Antiquities of the Jews.4: 8.

(3)Robert C. Newman The Council of Jamnia and the Old Testament

(3)Anchor Bible Dictionary Vol. III, pp. 634-7. The New York 1992.

الرد الرابع

مخطوطات العهد القديم(1)

وصحة التوراة والعهد القديم

 

أولاً: المخطوطات العبرية:

نظراً لانتشار مجامع اليهود في الكثير من بلاد العالم ومدنها، فقد انتشرت نسخ الأسفار المقدسة في جميع هذه البلاد والمدن ويوجد الآن في مكتبات الجامعات ومتاحف العالم عشرات الألوف من مخطوطات العهد القديم باللغة العبرية، هذا غير آلاف أخرى باللغة اليونانية وبلغات الترجمات الأخرى، سواء الكاملة أو الجزئية أو التي تضم قصاصات أو أجزاء صغيرة. وفيما يلي أهم مجموعات هذه المخطوطات:

1 - المجموعة الأولي من المخطوطات العبرية قام بجمعها بنجامين كينكوت (1776-1780م) ونشرتها جامعة أكسفورد وتضم 615 مخطوطة للعهد القديم. وبعد ذلك قام جيوفاني دي روسي (1784-1788م) بنشر قائمة تحوي 731 مخطوطة.

2 - وأهم اكتشاف للمخطوطات في العصر الحديث هي مخطوطات جنيزة القاهرة (جنيزة مخزن تحفظ فيه الكتب القديمة والمستهلكة)(2)، حيث تم اكتشاف حوالي 200,000 (مائتي ألف) مخطوطة وقصاصة في معبد بن عزرا في القاهرة سنة1890 م منها حوالي 10,000 (عشرة آلاف) لأجزاء من أسفار العهد القديم وترجع للقرنين السادس والتاسع للميلاد(3). ويحفظ الآن ما يقرب من نصف هذه المخطوطات التي وجدت بهذا المستودع بجامعة كمبريدج. أما الباقي فيوجد في أماكن متفرقة حول العالم. ولقد تعرَّف بول كال، مدير جنيزة القاهرة، على أكثر من 120 من المخطوطات النادرة التي كانت قد أعدتها مجموعة بابلية من الكتبة الماسوريين.

3 - يوجد حوالي 100,000 (مائة آلف) مخطوطة في كمبريدج، من مجموع المخطوطات التي اكتشفت في جنيزة القاهرة.

4 - وتضم مجموعة فيركوفيتش في مكتبة ليننجراد (بطرسبرج حاليا) بروسيا 1,582 مخطوطة مكتوبة على رقوق، و 725 مخطوطة مكتوبة على ورق، و1,200 قصاصة من مخطوطات غير عبرية. هذا بالإضافة إلى 1.200 قصاصة من المخطوطات العبرية في مجموعة أنطونين(4). كما يؤكد كاهل أيضاً على أن هذه المجموعة من المخطوطات والقصاصات أخذت جميعها من جينزة القاهرة. وفي مجموعة فيركوفيتش هناك أربع عشرة مخطوطة عبرية للعهد القديم ترجع إلى ما بين عامي 929م، و 1121م وكانت أصلاً في جنيزة القاهرة.

5 - ويوجد 161 مخطوطة عبرية في المتحف البريطاني. كما يوجد 146 مخطوطة في مكتبة بودليان بجامعة أكسفورد.

6 - ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عشرات الألوف من المخطوطات والقصاصات السامية والتي تشكل أسفار العهد القديم 5% منها، أكثر من 500 مخطوطة(5).

وفيما يلي أهم نسخ هذه المخطوطات:

(1) بردية ناش؛ وترجع للقرن الثاني الميلادي، حصل عليها ناش في مصر سنة1902م، وكانت تعتبر أقدم مخطوطة قبل اكتشاف لفائف البحر الميت، وتحتوى على نص ليتورجى للوصايا العشر وجانب من الشمّا (من خر2: 20،3؛ تث6: 5،7؛4: 6،5)، أي " أسمع " وهى الكلمة الأولى من تثنية 4: 6، وهى تعتبر قانون إيمان إسرائيل لإعلان وحدانية الله كما جاء في تثنية 4: 6 " أسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد". وكانت الشمّا تمارس في الصلاة يوميا.

(2) مخطوطة القاهرة(6)؛ التي نسخها موسى بن أشير في طبرية بفلسطين سنة 895 م وهي أقدم مخطوطة ماسورية، وتحتوى على أسفار يشوع وقضاة وصموئيل 1و2 وملوك 1و2 وإشعيا وإرميا وحزقيال والأنبياء الأثني عشر، وهى موجودة في المتحف البريطاني وتسمى بالمخطوطة القاهرية.

(3) مخطوطة المتحف البريطاني؛ (شرقيات 4445) وهى نص كامل لأسفار موسى الخمسة، التوراة، (تك20: 39 - تث33: 1)، كتبت في الفترة بين سنة 920 و 950م، وعليها أسم بن أشير.

(4) مخطوطة حلب؛ وتحتوى على العهد القديم كاملاً، نسخها هارون بن موسى بن أشير وتؤرخ بسنة 900 إلى 925م، وكانت محفوظة في مجمع اليهود السفرديم بحلب وهى الآن بالقدس.

(5) مخطوطة بطرسبرج B3 (ليننجراد سابقاً)؛ وتحتوى على الأنبياء القدامى إشعيا وإرميا وحزقيال) والأنبياء المتأخرين (الأثني عشر)، وترجع لسنة 916م. (هذه الصورة والصورة أعلاه لمخطوطة حلب)

(6) مخطوطة بطرسبرج B19a (ليننجراد)؛ وتحتوى على العهد القديم كاملاً، وقد نسخت سنة 1008 - 1009م على يد صموئيل بن ياكوب بالقاهرة.

 

ثانياً: مخطوطات غير عبرية:

وهناك العديد من المخطوطات للترجمات القديمة التي ترجمت للعهد القديم وأهمها المخطوطة الفاتيكانية التي ترجع لسنة 325م، السينائية ل350م، والإسكندرية التي ترجع ل 450م، وهما للترجمة السبعينية اليونانية، وقد وجد ضمن لفائف قمران في كهف 4 مخطوطات للترجمة السبعينية أيضا تحتوى على أسفار الخروج واللاويين والعدد وترجع لسنة 100ق م. أي بعد الترجمة بحوالي 150 سنة واكتشفت أيضا مخطوطة يونانية للأنبياء الصغار في منطقة وادي خبرا. وهناك مخطوطة للبشيتا السريانية مؤرخة بسنة 464م بالمتحف البريطاني، ومخطوطة للسريو هيكسابلا ترجع للقرن الثامن. وهناك مخطوطة على ورق البردي للترجمة القبطية باللهجة الصعيدية ترجع إلى سنة 300م بالمتحف البريطاني، وهناك جزيئات (قصاصات) ترجع للقرن الرابع والخامس باللغة القبطية باللهجتين الأخميمية والفيومية، إلى جانب مخطوطة باللغة العربية ترجع للقرن الثامن. وتمتلئ مكتبة الفاتيكان بالمخطوطات القديمة للترجمة اللاتينية خاصة الفولجاتا.

 

ثالثاً: التوراة السامرية:

لم تكن التوراة السامرية(7) إلى وقت قريب معروفة إلا من خلال كتابات الآباء مثل يوسابيوس وجيروم ولكن أعيد اكتشاف نصها في دمشق سنة 1616م وتوجد منها كميات كبيرة في مكتبة بطرسبرج (ليننجراد) العامة بروسيا، وجامعة كمبريدج. ولكن أهم هذه المخطوطات هو درج الابيش الموجود مع جماعة السامريين بنابلس والذي ترجمه إلى العربية الكاهن السامري أبو الحسن اسحق الصوري (ولدينا نسخة من هذه الترجمة). كما وجد منها عدة أجزاء ضمن مخطوطات قمران. وهذه التوراة السامرية هي نسخة من الأصل العبري ولكن بلغة أقدم وتتفق معه بدرجة كبيرة برغم وجود بعض الاختلافات بينهما، وقد ثبت أن معظم هذه الاختلافات هي لحروف هجائية أو بسبب النقل عبر مئات السنين وبسبب تمسكهم الشديد بتنزيه الله الواحد، وهي غير مؤثرة على المعنى أو العقيدة بصفة عامة، كما بينّا في الفصل السابق.

 

رابعا اكتشاف مخطوطات قمران وصحة الكتاب المقدس:

وادي قُمران القديمة على الشواطئ الشمالية الغربية للبحر الميت، وتعتبر هذه المخطوطات أو اللفائف، برغم حداثة اكتشافها، من أثمن مخطوطات الكتاب المقدس بل واكتشافات القرن العشرين لأنها ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد والقرن الأول الميلادي (من حوالي 280 ق. م إلى حوالي 133م)(8)، وتزيد في متوسطها عن أقدم مخطوطة كانت بين أيدينا، قبل أكتشاف جنيزة القاهرة سنة 1889م، بحوالي1150 سنة، وبالطبع فهي منقولة أو منسوخة عن نسخ أقدم منها بعشرات بل ومئات السنين، وبالتالي يقترب بعضها من زمن عزرا الكاتب، الذي جمع كل أسفار العهد القديم وأعاد تحريرها ونسخها بالروح القدس، بحوالي من 150 إلى 250 سنة، وقد يكون بعضها منقولاً عن النسخ التي نسخت في زمن عزرا نفسه، كما أن معظمها موجود من قبل تجسد الرب يسوع المسيح، الذي أكد صحة كل حرف وكل كلمة في أسفار العهد القديم، بقرنين أو ثلاثة قرون. وهى بذلك تؤكد الاستمرار الطبيعي غير المنقطع في تواصل النص الأصلي لأسفار العهد القديم ووصوله إلينا بكل دقة عبر الزمان والتاريخ وتبطل كل نظريات وأراء النقاد والليبراليين الذين زعموا دخول إضافات على بعض الأسفار، مثل المزامير، وتأخر كتابة البعض الآخر، مثل دانيال، للقرنين السابقين للميلاد مباشرة، أو القرن الأول للميلاد، مثل الجامعة، حيث وجدت أجزاء كثيرة لكل أسفار العهد القديم عدا سفر أستير فقط(9).

وتتكون هذه المخطوطات من أربعين ألف قصاصة أمكن تجميع خمسمائة كتاب من بينها كتب عن قوانين الحياة في مجتمع قمران، وأصول التلمذة فيها، مع تفاسير لبعض الأسفار، وذلك إلى جانب المخطوطات الكتابية لأسفار العهد القديم. وتشمل هذه اللفائف كل أسفار العهد القديم عدا سفر أستير. وذلك إلى جانب الكتب الدينية الأخرى التي لطائفة الأسينيين اليهودية. وترجع أقدم اللفائف وهى لأسفار اللاويين والخروج وصموئيل إلى ما قبل سنة 250 ق م، إذ يرى العلماء لفة الخروج (من كهف 4) ترجع لسنة 250ق م، ويرى بعضهم أن لفة لسفر صموئيل ترجع لحوالي 280ق م، ويرى أحد العلماء أن هناك لفة لسفر اللاويين ترجع لسنة 400 ق م.

وقد كتبت هذه اللفائف في معظمها بالخط الآرامي، المربع، وهناك 10 لفائف تضم أسفار موسى الخمسة وأيوب كتبت بالخط العبري القديم. وكتب الاسم الإلهي " يهوه " أحيانا بهذا الخط القديم في بعض اللفائف الأخرى، وحتى سنة 1999م كان قد وجد عدد 233 مخطوطة وقصاصة من كهوف قمران الأحد عشر، هي: 18 مخطوطة لسفر التكوين + 3 قصاصات، و18 للخروج، و17 للاويين، و12 للعدد، و31 للتثنية + 3 قصاصات، و2 ليشوع، و3 للقضاة، و4 لراعوث، و4 لصموئيل (الأول والثاني)، و3 للملوك (الأول والثاني)، وواحد لأخبار الأيام (الأول والثاني)، وواحد لسفر عزرا – تحميا، و4 لأيوب، و39 للمزامير + قصاصتين، و 2 للأمثال، و 3 للجامعة، و4 لنشيد الإنشاد، و22 لإشعيا، و 6 لإرميا، و4 للمراثي، و7 لحزقيال، و8 لدانيال + قصاصة، و10 للأنبياء الصغار + قصاصة.

وأشهر هذه الأسفار هي التكوين والخروج والتثنية وإشعيا والمزامير ومن أحسن وأهم هذه المخطوطات لفتين لإشعيا وأجزاء كاملة من سفر صموئيل ولفة للمزامير وتفسير لسفر حبقوق. وفيما يلي أهم هذه المخطوطات الكتابية والكهوف التي وجدت فيها(10):

1- كهف1(من15/2إلى9/3/1949م) ويضم أجزاء كثيرة لأسفار التكوين واللاويين والتثنية والقضاة وصموئيل الأول والثاني والمزامير ولفة طويلة كاملة لسفر إشعيا (1QISa ولفة طويلة، جزئية، أخرى لسفر إشعيا (1QISb) وحزقيال ودانيال (سفر إشعيا العظيم شاهد على أمانة الله من نحو كلمته. وفيه نرى الدقة التي توخاها الكتاب اليهود في نقل نصوص الوحي).

وأجزاء من تفاسير للمزامير وميخا وحبقوق وصفنيا وزكريا. وأعمال أخرى غير كتابية مثل أخنوخ وأقوال موسى (ولم تكن معروفة قبلاً)، وسفر اليوبيل وسفر نوح، وشهادة لاوي وطوبيا وحكمة سليمان. وهناك أيضاً أجزاء من سفر دانيال وتشمل دانيال 2: 4 (حيث تتغير اللغة من العبرية إلى الآرامية)، وقد وجد أيضاً في الكهف الأول أجزاء من شروح لأسفار المزامير وميخا وصفنيا.

2 - كهف 2(مارس سنة 1952م) ويضم أجزاء من حوالي مائة مخطوطة، منها مخطوطة لسفر التكوين ومخطوطتان لسفر الخروج وواحدة لسفر اللاويين وأربع مخطوطات للعدد واثنتان أو ثلاثة للتثنية ومخطوطة واحدة لكل من إرميا وأيوب والمزامير ومخطوطتان لراعوث (وصفحة من لفة إشعيا B في قمران).

3 – كهف 3(4/3/1952م) ويضم جذاذات من أسفار المزامير وإشعيا ومراثي وحزقيال ونصفين لدرج نحاسي به خريطة ل 64 موقع سرى لكنوز مخفية.

4 – كهف 4 (سبتمبر 1952م) ويضم مئات المخطوطات (حوالي 400) منها حوالي 100 نسخة لأسفار العهد القديم كلها عدا سفر استير، منها جذاذات من سفر الجامعة، ومنها (قصاصة لسفر هوشع)

لفة لسفر صموئيل (4Q Samb) تعتبر أقدم نسخة معروفة للكتاب المقدس وترجع للقرن الثالث قبل الميلاد (لسنة 280 ق م)، كما يوجد به عدد من التفاسير لأسفار المزامير وإشعيا وناحوم، كما توجد أسفار التثنية وإشعيا وإرميا والأنبياء الصغار بكثافة وهذا يدل على حب الدراسة لهذه الأسفار وتفضيلها عن بقية أسفار العهد القديم، كما وجد بهذا الكهف نسخة مهمة جدا لسفر دانيال تحتوى على (7: 28؛8: 1) الذي تتغير فيه اللغة من الآرامية للعبرية مما يؤكد قدم السفر وانتقاله عبر الأزمنة كما هو. ومن أهم لفائف هذا الكهف أيضا تفسير لسفر هوشع (2: 8-14)،(4Q16) مكتوب على رقوق في القرن الأول قبل الميلاد.

5 – كهف 5 (سبتمبر 1952م) ويضم جزءًا من سفر طوبيا إلى جانب جذاذات من أسفار التثنية والملوك 1و2 وإشعيا وعاموس والمزامير والمراثي (أنظر كهف 5 على يسارك).

6- كهف 6 (27/9/1952م) ويضم من بين جذاذاته برديات من أسفار التكوين واللاويين والتثنية والملوك ونشيد الإنشاد ودانيال.

7 - كهوف من7 إلى 10 وتضم أجزاء قليلة من أسفار العهد القديم.

8 - كهف 11(يناير وفبراير 1956م) ويضم لفة من أهم لفائف قمران تشكل أجزاء من41 مزموراً (من مزمور 50 إلى 101) بما فيها مزمور151 الذي كان معروفا في اللغة اليونانية فقط، مكتوباً على جلد سميك من العصر الهيرودسى، وذلك إلى جانب 36 مزمور آخر من المزامير التي تقع فيما بين 93 إلى 150، وثلاث نسخ منها جزء جيد من سفر اللاويين (11Qlevb) وترجوم (تفسير) آرامي لسفر أيوب.

 

خامسا دقة حفظ كلمة الله في هذه المخطوطات:

انتقلت أسفار العهد القديم من جيل إلى جيل عن طريق النسخ اليدوي بدقة متناهية، وكان الكهنة واللاويون والأنبياء والملوك والكتبة وأتباع الفرق الدينية المختلفة، كالآسينيين الذين وجدت لفائفهم في كهوف قمران، ينقلون نسخهم الخاصة من النسخة الرسمية المعتمدة التي كانت تحفظ عادة إلى جوار تابوت عهد الرب وفي الهيكل. وكانت هناك دائماً صلة قوية وسلسلة واحدة متصلة، لا تنقطع، بين نسخ الأسفار المقدسة التي كتبها الأنبياء والرسل وبين الكتاب المقدس كما هو بين أيدينا في القرن العشرين في كل اللغات المترجم إليها، وهنا يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال مهم هو؛ هل يملك علماء الكتاب المقدس نسخة دقيقة ومطابقة للأصل كما خرجت من أيدي الرسل والأنبياء كتبة الوحي الإلهي؟ والإجابة هي: نعم!! لأن علماء الكتاب المقدس يمتلكون آلاف النسخ والمخطوطات، سواء الجزئية أو الكاملة من أسفار العهد القديم، منها مئات النسخ التي ترجع للقرون الثلاثة السابقة للميلاد والقرن الأول الميلاد. فقد مارس الكتبة الذين كانوا ينسخون هذه الأسفار عملهم بدقة شديدة، كما بينا، وقد تبرهن لنا ذلك بشكل عملي بعد اكتشاف مخطوطات قمران. فقد كانت أقدم نسخة موجودة للعهد القديم، حتى سنة 1947م، ترجع إلى القرن العاشر للميلاد، أي بينه وبين الرب يسوع المسيح حوالي 1000 (ألف) سنة ومع ذلك كان كل اليهود والمسيحيين واثقين أن لديهم كلمة الله كما سلمت منذ البدء. وقد تبرهنت هذه الثقة بصورة عملية وعلمية بعد اكتشاف مخطوطات قمران ابتداء من سنة 1947. فهل كان المؤمنون في حاجة لاكتشاف مثل هذه المخطوطات ليتأكدوا من صحة إيمانهم بالكتاب المقدس؟ والإجابة؛ كلا!! فهم واثقون من وعد الله الذي وعد بحفظ كلمته، إنما سمحت عناية الله لمثل هذه المخطوطات المكتشفة أن ترى النور لترد على الذين ادعوا أن أسفار العهد القديم كتبت بعد الأنبياء بسنين كثيرة، وبرهان للذين ادعوا وجود تحريف أو تغيير أو تبديل في أسفار الكتاب المقدس على بطلان مزاعمهم!!! فقد أكدت مخطوطات قمران على ثلاث حقائق جوهرية؛

الأولى: هي وجود نسخ كثيرة لكل سفر من أسفار العهد القديم، عدا سفر واحد هو سفر أستير، وكلها ترجع للقرون الثلاثة السابقة للرب يسوع المسيح والقرن الأول للميلاد، مع ملاحظة أن هذه المخطوطات منقولة عن مخطوطات أخرى أقدم منها ترجع لأيام عزرا الكاتب، وبالتالي أصبح لدينا مخطوطات للعهد القديم ترجع لقبل تجسد الرب يسوع المسيح وتلاميذه بسنوات طويلة، ومخطوطات معاصرة له، وزال الفارق الزمني بين أقدم مخطوطة كانت لدينا وبين الرب يسوع المسيح، بل وأصبح لدينا مخطوطات ترجع لقبل تجسده بمئات السنين. ويجب أن نتذكر أن الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله أكدوا وحي كل كلمة بل وكل حرف في أسفار العهد القديم كما كانت في أيامهم، كما بينا!!

 

والثانية: هي إيمان اليهود في كل العصور بوحي وقداسة هذه الأسفار فقد اقتبسوا منها واستشهدوا بها في كتاباتهم بنفس الأسلوب والطريقة التي اقتبس واستشهد بها العهد الجديد. فقد استخدموا تعبيرات مثل " ما أمر به الله خلال موسى وخلال كل خدامه الأنبياء " الذين ساووا فيها بين أسفار موسى النبي وجميع الأنبياء باعتبارها جميعاً كلمة الله. ومثل الصيغة المقدسة " مكتوب " في مقدمة اقتباسات كثيرة من أسفار كثيرة مثل أسفار موسى الخمسة وإشعيا وحزقيال وهوشع وعاموس وميخا وناحوم وزكريا وملاخي. وجاء في إحدى كتاباتهم " الوثيقة الصادوقية " قول الكاتب أن ناموس موسى لا يمكن أن ينتهك وسيحرم الإنسان الذي " ينتهك كلمة واحدة من ناموس موسى". وكانت هذه الوثيقة تستخدم عبارات " كلمة الله "، " قال هو "، " قال الله "، " كتاب الناموس "، " قال موسى "، كمقدمة لاقتباساتها من أسفار العدد والتثنية وإشعيا وعاموس وهوشع وزكريا وملاخي، واقتبست من سفر الأمثال كسفر مقدس وكلمة الله واستخدمت عبارة " الناموس والأنبياء " مرتين للإشارة إلى كل أسفار العهد القديم.

والثالثة: هي عصمة أسفار الكتاب المقدس ودقة حفظها على مر العصور بدون زيادة أو حذف أو تغيير أو تبديل، وصحة كل كلمة وكل حرف فيها والتأكد من تطبيق القواعد التي وضعها الكتبة لعمل نسخ منها بكل أمانة ودقة!!

وكان النقاد قد زعموا، قبل اكتشاف هذه المخطوطات أنه لو تم اكتشاف مخطوطات أقدم للكتاب المقدس، العهد القديم، لأثبتت أن العهد القديم قد أعيدت صياغته مرات كثيرة عبر القرون الماضية!! ولكن خاب أمل هؤلاء النقاد، فقد جاءت النتيجة عكسية تماما، بعد اكتشاف هذه المخطوطات!! فقد ترجمت إلى الإنجليزية ودرسها العشرات بل المئات من العلماء والنقاد ولم يجدوا بها نصاً واحداً يخالف العقيدة المسيحية!!

كما استعملت الوسائل التكنولوجية المتطورة لرؤية بعض النصوص الغير ظاهرة للعين البشرية. فاستخدم العلماء الطّرق الرّقميّة لإعادة اكتشاف النّصوص المفقودة.

وفي الصورة على اليسار عرض حديث لطريقة حفظ المخطوطات في الجرار الفخارية. وهذه الرّقوق والمخطوطات هي أقدم مجموعة من مخطوطات العهد القديم وجدت في التاريخ. وقد وجد في جرة فخارية كالتي نراها في الصورة أمامنا.

 

---

(1) أنظر كتابنا " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه".

(2)See Ency. Judaica. Geniza.

(3)Kahle, the Cairo Geniza 13. هذا المعبد كان حتى عام 882م كنيسة باسم الملاك ميخائيل

(4) Wurthwein, the Text of the Old Testament 23.

(5)Goshen-Gottstein, Bible Manuscripts in the U. S, 30.

(6)Bruce, Books and Parchments 115-116.

(7) يرجع وجود السامريين إلى ما بعد سنة 720ق م عندما استوطن جماعة من غير اليهود السامرة بعد سبى إسرائيل إلى أشور بواسطة شلمناصر ملك أشور والذي أتى " بقوم من بابل وكوث وعوا وحماه وسفراوييم وأسكنهم في مدن السامرة عوضا عن إسرائيل " وأمر بإرسال كاهن ليعلمهم الشريعة اليهودية "، فأتى واحد من الكهنة الذين سبوهم من السامرة وسكن في بيت إيل وعلمهم كيف يتقون الرب"، فعبدوا الرب إلى جانب آلهتهم الوثنية (2مل 17). ويحتمل أن التوراة أو أجزاء منها نقلت إليهم في ذلك الوقت. وقد يفسر ذلك قبولهم فقط لأسفار موسى الخمسة دون بقية العهد القديم. ولكن غالبية العلماء يرون أنها نقلت إليهم سنة 432 ق م عندما طرد نحميا واحد من بنى يهويا داع الكاهن، والذي كان صهرا لسنبلط الحوراني، من اليهودية فذهب إلى السامرة وأسس جماعة فيها وأقام هيكلا على جبل جرزيم منافسا لهيكل أورشليم.

(8) وترجع قصة اكتشاف هذه المخطوطات إلى راعي أغنام بدوي اسمه " محمد " كان يبحث عن معزة ضائعة في مارس 1947، فرمى حجراً في ثقب في تل على الجانب الغربي للبحر الميت، على بعد ثمانية أميال جنوب أريحا، واندهش وهو يسمع صوت تحطيم آنية فخارية، فدخل ليستكشف الأمر، فوجد أواني فخارية كبيرة تحتوي على لفائف من الجلد ملفوفة في أنسجة كتانية. ولما كانت الأواني الفخارية مغلقة بإحكام، فقد بقيت المخطوطات في حالة ممتازة لمدة نحو 1900 سنة، فقد وضعت تلك المخطوطات داخل الأواني عام 68م.

وقد اشترى رئيس دير السريان الأرثوذكس بأورشليم خمساً من تلك المخطوطات، كما اشترى الأستاذ سكنك من الجامعة العبرية بأورشليم ثلاثاً، وكتب في مذكراته عنها يقول: " لعل هذا واحد من أعظم الاكتشافات في فلسطين، أكثر جداً مما توقعنا". وفي فبراير (شباط) سنة 1948 اتصل رئيس الدير السرياني بالمدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية في أورشليم وأخبرهم عن المخطوطات. وكان المدير شاباً عالماً يهوى التصوير أيضاً، اسمه جون تريفر، فقام بجهد خارق في تصوير كل عمود من مخطوطة سفر إشعياء وهي بطول 24 قدماً وعرض عشر بوصات وحمّض الأفلام بنفسه وأرسل بعض الصور منها إلى الدكتور أولبرايت من جامعة جون هوبكنز، الذي كان يُعتبر عميد علماء الحفريات الكتابية. فأرسل رده برجوع البريد يقول: " تهانيَّ القلبية على اكتشاف أعظم مخطوطة في عصرنا الحديث. يا له من اكتشاف مذهل! ولا يمكن أن يوجد ظل شك في العالم كله في صحة هذه المخطوطة " وقال أنها ترجع لسنة 100 ق م (See Encyclopedia Judaica Dead Sea Scrolls).

(9) Donald W. Parry and Stephen D. Ricks The Dead Sea Scrolls and the Bible. What the scrolls teach us about the Bible.

(10) لمراجعة ذلك تفصيلياًَ أرجع ل http://home.flash.net/~hoselton/deadsea/caves.htm

See also: Ayala Sussman and Ruth Peled The Dead Sea Scrolls

الرد الخامس

براهين من علم الحفريات

والآثار والوثائق القديمة

تشهد على حفظ الله للعهد القديم(20)

 

1 – تطابق الأسماء في الكتاب المقدس والوثائق القديمة:

ومن أروع الدراسات التي قام بهاء علماء الكتاب المقدس والنقد النصي هي التي توصلوا من خلالها إلى صحة وموثوقية العهد القديم وعظمة الكتاب المقدس من خلال مقارنة أسماء الملوك والأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم في الوثائق القديمة مثل الرقوق وأوراق البردي وعلى جدران المعابد والمباني القديمة والكتاب المقدس وكانت النتيجة كما يقدمها لنا العالم روبرت ديك ويلسون في كتابه " فحص علمي للعهد القديم " وذلك من خلال ملاحظاته الرائعة لصحة وموثوقية الكتاب المقدس منذ زمن الحضارات القديمة التي كانت تحيط بإسرائيل في العهد القديم:

" تحوي الأسفار المقدسة العبرية أسماء ستة وعشرين ملكاً أو أكثر ذُكرت أسماؤهم في وثائق معاصرة لهؤلاء الملوك. وقد تبين أن هجاء أسماء معظم هؤلاء الملوك المنقوشة على آثارهم أو المدونة في وثائق ترجع إلى العصر الذي كانوا يحكمون فيه هو نفس الهجاء الوارد في نصوص العهد القديم. أما اختلافات الهجاء في البعض الآخر فهي تتفق مع قواعد علم الصوتيات التي كانت سائدة وقت تدوين النصوص العبرية. وفي حالتين أو ثلاثة فقط هناك حروف أو أشكال للهجاء لم يتم التأكد من تفسيرها حتى الآن. إلا أنه حتى في هذه الحالات القليلة لا يمكن اعتبار الهجاء الذي ورد في النص العبري هجاءً خاطئاً. ومن ناحية أخرى، فإن أسماء الكثيرين من ملوك يهوذا وإسرائيل وجِدت في الوثائق الأشورية المعاصرة لهم بنفس الهجاء الذي ورد في النص العبري الموجود الآن.

وفي 144 حالة للنقل من اللغات المصرية والأشورية والبابلية والموآبية إلى اللغة العبرية وفي 40 حالة أخرى للنقل في الاتجاه المعاكس، أي في 184 حالة تشير الأدلة إلى أنه على مدى 2300 - 3900 عام تم نقل الأسماء بدقة بالغة في مخطوطات الكتاب المقدس العبري. أما وأن الكتبة الأصليين قد دوَّنوها بهذه الدقة البالغة ومراعاتهم للقواعد اللغوية الصحيحة، فهو دليل رائع على علمهم وحرصهم الشديد، فضلاً عن ذلك فإن نقل النسَّاخ للنص العبري عبر هذه القرون الطويلة يعد ظاهرة لا مثيل لها في تاريخ الأدب "(1).

 

ويواصل ويلسون قائلاً:

" ولا ينبغي لدارسي نصوص الكتاب المقدس سواءً كانوا مهاجمين له أو مدافعين عنه أن يفترضوا ولو لحظة واحدة أن هذه الترجمة الدقيقة وهذا النقل الصحيح لأسماء الأعلام هو أمر سهل أو عادي. وفي هذا المقام أود أن ألفت انتباه القارئ الذي ليس له دراية بهذه الأمور إلى أسماء ملوك مصر كما ذكرها مانيتو وكما تظهر على الآثار المصرية. كان مانيتو رئيساً للكهنة لهياكل الأوثان في مصر في زمن بطليموس فيلادلفيوس أي حوالي 280 ق.م. وقد ألَّف عملاً عن أسر ملوك مصر، بقيت بعض أجزائه في أعمال يوسيفوس ويوسابيوس وغيرهم. ومن بين ملوك 31 أسرة يذكر 40 اسماً من 22 أسرة. ومن بين هذه يظهر 49 اسماً على الآثار بشكل يوافق الهجاء الذي ذكره مانيتو، وهناك 28 اسماً آخر يمكن التحقق منها جزئياً. أما الأسماء الثلاثة والستون الباقية فلا يمكن التحقق من أي مقطع فيها. وإن كان صحيحاً أن مانيتو نفسه نقل هذه القوائم من السجلات الأصلية - إذ أن نقله لتسعة وأربعين اسماً بشكل صحيح يؤيد هذا الفرض- فإن مئات الاختلافات والأخطاء في خمسين أو أكثر من هذه الأسماء التي لم يمكن التحقق منها لابد أنها ترجع إلى أخطاء مانيتو في النسخ أو أخطاء النسَّاخ الذين نقلوا النص من بعده "(2).

ويضيف ويلسون أن " هناك ما يقرب من أربعين من هؤلاء الملوك عاشوا فيما بين عامي 2000 ق.م. و400 ق.م. ويظهر كل منهم في تسلسل تاريخي: بالإشارة إلى ملوك هذه الدولة وملوك الدول الأخرى... ليس هناك دليل آخر يمكن تصوره على دقة روايات العهد القديم أقوي من هذه المجموعة من الملوك. وفي ملاحظة هامشية يحسب ويلسون احتمال حدوث ذلك عن طريق الصدفة: وحسابياً، فهناك احتمال من بين 750 ألف مليون مليون مليون احتمال أن تكون هذه الدقة من قبيل الصدفة "(3).

وانطلاقاً من هذه البراهين يصل ويلسون إلى النتيجة التالية:

" لا يمكن إنكار الدليل على أن نسخ الوثائق الأصلية قد وصلت إلينا بشكل صحيح تماماً على مدى أكثر من ألفي عام. أما انتقال النسخ التي وجدت منذ ألفي عام على نحو مماثل انحداراً من النسخ الأصلية فلا يُعد أمراً ممكناً فحسب، ولكنه، وكما أوضحنا، أصبح كذلك عن طريق التماثل بين الوثائق البابلية التي توجد الآن، والتي لدينا النصوص الأصلية لها والنسخ المنقولة عنها، حيث يفصل بينهما آلاف السنين، وكذلك التماثل بين عشرات المخطوطات البردية التي تبين عند مقارنتها بالنسخ الحديثة للمؤلفات الكلاسيكية أنه لم يطرأ على النصوص سوى تغييرات طفيفة على مدى أكثر من ألفي عام، كما يتبين ذلك من البراهين العلمية على الدقة التي نقلت بها أسماء الملوك وطريقة هجائها الصحيحة وكذلك المفردات الأجنبية الكثيرة الموجودة في النصوص العبرية "(4).

2 – علم الآثار والحفريات وصحة الأحداث التاريخية في الكتاب المقدس:

كما برهن علم الآثار على صحة ودقة الأحداث التاريخية التي وردت في العهد القديم؛ قال عالم الآثار اليهودي نلسون جلويك: " لم يحدث أي اكتشاف أثري واحد ناقض ما جاء في الكتاب المقدس. إن التاريخ الكتابي صحيح تماما بدرجة مذهلة، كما تشهد بذلك الحفريات والآثار".

ويقول وليم أولبرايت أحد عظماء علماء الحفريات: " لا شك أن علم الآثار القديمة قد أكد صحة تاريخ العهد القديم، فانهدمت الشكوك التي قامت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في الكتاب المقدس، بعد أن أثبتت الاكتشافات – الواحد بعد الآخر- دقة التفاصيل الكثيرة التي تؤكد قيمة الكتاب المقدس كمرجع تاريخي "(5).

ويقول الأستاذ رولي: " إن موافقة علماء الآثار على صحة التاريخ الكتابي لا ترجع إلى توفر النظرة المحافظة عند العلماء المعاصرين، بل إلى كثرة الأدلة التي بين أيديهم على صحة تاريخ الكتاب المقدس "(6).

ويقول ميلر باروز من جامعة ييل: " لقد محقت الاكتشافات الأثرية نظريات النقد الحديث، فقد أثبتت مرارا كثيرة، أن هذه النظريات ترتكز على افتراضات باطلة ونظرات تاريخية مصطنعة وغير صحيحة، وهذا أمر جدير بكل اعتبار "(7).

ويقول بروس: " إن المواضع التي كان يتهم فيها لوقا بعدم الدقة، ثبتت بعد ذلك دقتها بأدلة خارجية، مما يجعل من الحق أن نقول إن علم الآثار قد أكد صحة العهد القديم".

ويقول مرل أنجر (مؤلف كتاب علم الآثار والعهد الجديد): لقد كشفت الحفريات عن أمم قديمة جاء ذكرها في العهد القديم، وأظهرت تاريخ أشخاص مهمين، وملأت فراغات كثيرة مما ساعد على فهم التاريخ الكتابي "(8).

ويقول جوش مكدويل: إن علم الآثار القديمة قد بعث احتراما كاملا للكتاب المقدس كوثيقة تاريخية صحيحة، وظهر أن شكوك بعض العلماء في الكتاب المقدس راجعة إلى تحيزهم ضد المعجزات، وليس إلى التقييم الدقيق للتاريخ الكتابي.

لقد رأينا كيف عاونت المخطوطات القديمة، التي اكتشفها علماء الحفريات والآثار، على التأكد من سلامة النصوص الموجودة معنا للكتاب المقدس، وأنها نقلت إلينا عبر القرون بكل دقة وأمانة. كما أن التواريخ المسلحة في حفريات فلسطين أكدت سلامة القصص الكتابية، مما جعلها موضع الاحترام المتزايد عند هؤلاء العلماء.

ويقول السير فريدريك كنيون: " لقد وجهت اتنقادات حادة إلى جزء من تاريخ العهد القديم، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولكن علم الآثار القديمة أعاد إلى هذا الجزء سلطانه، كما كشف الخلفية التاريخية له. ولم يصل علم الآثار إلى نهاية اكتشافاته، ولكن النتائج التي وصل إليها تؤكد ما يقوله الكتاب المقدس. إن الكتاب المقدس يستفيد من زيادة معرفة علماء الآثار القديمة "(9).

ويقول برنارد رام: " لقد أعطانا علم الآثار القديمة برهانا على صحة النسخة الماسورية. فهناك ما يعرف ب " ختم إرميا " (وهو ختم يختمون به على البيومين الذي يغلقون به الأواني التي يحفظون بها الخمور) يرجع تاريخه إلى القرن الأول أو الثاني الميلادي، وعليه ما جاء في إرميا 11: 48. وهذا يؤكد لنا صحة النص المازوري. وهذا الختم يؤكد لنا صحة النص الذي انتقل إلينا من وقت عمل الختم إلى وقت كتابة المخطوطات. فضلا عن أن بردية روبرت التي ترجع إلى القرن الثاني ق م وبردية ناش التي يقول أولبرايت إنها ترجع إلى 100 ق م تؤكدان صحة النص المازوري "(10).

ويقول الدكتور أولبرايت: " إن النور الدافق (الصادر من الاكتشافات في أطلال مدينة اوجاريت) والذي ألقى بضيائه على الشعر العبري القديم، يؤكد أن آباء سفر التكوين جاءوا من خلق خيال الكتبة العبرانيين بعد انقسام ملكة سليمان، وأنهم لم يكونوا أشخاصا حقيقين. ولكن هذا كله قد تغير، فإن الاكتشافات والحفريات منذ عام 1925 أثبتت صدق قصص التكوين كوقائع تاريخية، فإن آباء العبرانيين كانوا من البدو الذين سكنوا عبر الأردن وسوريا وحوض الفرات وشمال الجزيرة العربية في القرون الأخيرة من الألف الثانية ق م، والقرون الأولى من الألف الأولى "(11).

 

3 - نماذج من حفريات تبرهن صحة العهد القديم:

(أ) يقول سفر التكوين أن أصل بني إسرائيل من بلاد ما بين النهرين، وقد برهنت الحفريات صحة هذا. ويقول أولبرايت: " لا شك أن التقليد العبري صادق في أن الآباء من تتبع آثار حركة هؤلاء الناس في خروجهم من بلاد ما بين النهرين "(12).

(ب) يقول سفر التكوين إنه قبل بناء برج بابل كانت الأرض تتكلم لغة واحدة (تكوين 1: 11). وبعد بناء برج بلبل الله لسان كل الأرض (تكوين9: 11). ويتفق كثيرون من علماء اللغات حاليا على صحة هذه النظرية. ويقول ألفريدو ترومبيتي إنه يستطيع أن يتابع ويبرهن الأصل المشترك لكل اللغات. ويذهب أوتوياسبرسن إلى أبعد من ذلك ويقول إن اللغة جاءت للإنسان الأول من الله(13).

(ج) في سلسلة نسب عيسو جاء ذكر الحوريين (تكوين 20: 36) وقد جاء وقت ظن فيه الناس أن الحوريين كانوا سكان الكهوف، لقرب الشبه بين كلمة " حوريين " وكلمة " كهف " العبرية. ولكن الحفريات الحديثة أظهرت أنهم كانوا جماعة من المحاربين عاشوا في الشرق الأوسط في عصر الآباء الأولين.

(د) خلال الحفريات في أريحا (1930 – 1936م) وجد العالم " جارستانج " شيئا غريبا جعله يحرر وثيقة يوقع عليها هو واثنان من العلماء زملائه، يقول فيها: " لا شك في حقيقة أن أسوار أريحا سقطت تماما إلى الخارج في مكانها، حتى يتمكن المهاجمون من أن يصعدوا فوقها ويدخلوا أريحا. والغريب في ذلك أن أسوار المدن لا تسقط عادة إلى الخارج بل تسقط إلى الداخل، ولكن أسوار أريحا سقطت في مكانها إلى الخارج كما جاء في (يشوع 20: 6 و 22).. " فسقط السور في مكانه وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه وأخذوا المدينة".

(ه) نجد أن سلسلة نسب إبراهيم صحيحة تماما، ولكن ثار التساؤل: إن كانت هذه أسماء أشخاص أو أسماء مدن قديمة. والكتاب المقدس يقول إن إبراهيم شخص وإنه تاريخي. ويقول باروز: " تؤكد كل الحقائق أن إبراهيم شخص تاريخي عاش فعلا. ويجيء اسمه في آثار بابل كاسم شخص كان يعيش في تلك الحقبة التي ينتمي إبراهيم إليها".

(و) ومع أن رجال الحفريات لم يكتشفوا بعد الأدلة على صحة كل قصص آباء العهد القديم، إلا أن العادات الاجتماعية المذكورة في القصص مناسبة تماما للحقبة والموقع الذي يقول الكتاب المقدس أنهما حدثت فيهما. وقد جاء الكثير من البراهين على صحة هذا من حفريات نوزو وماري، كما ألقي الكثير من الضوء على اللغة والشعر العبري من حفريات يوجاريت. لقد وجدت الشرائع الموسوية في شرائع الحثيين والآشوريين والسومريين والآشوريين. وبمقارنة حياة العبرانيين مع حياة أولئك الشعوب، نرى أن العبرانيين قدموا معونة ضخمة للعالم.

لقد قادت هذه الاكتشافات جماعة العلماء – بغض النظر عن إيمانهم الديني – إلى صحة الطبيعة التاريخية لقصص الآباء العبرانيين القدماء:

(ز) قال الناقد المشهور يوليوس ولهاوزن في القرن التاسع عشر إن القول إن المرخصة صنعت من المرايا النحاسية أمر دخيل على القصة القديمة، وعليه فإنه يعتقد أن قصة بناء خيمة الاجتماع كتبت بعد عصر موسى بكثير ولم يكن عند ولهاوزن برهان على أن المرايا المعدنية لم تصنع إلا في عام 500 ق.م، أي بعد عصر موسى بكثير. ولكن الحفريات أظهرت وجود مرايا برونزية في عصر الإمبراطورية في مصر (1500 – 1200 ق م) وهي الحقبة التي عاش فيها موسى (1500 – 1400 ق م).

---

 

(20) أنظر كتاب برهان جديد يتطلب قراراً، جوش مكدويل.

(1) Wilson, A Scientific Investigation of the Old Testament,p 64, 71.

وبرهان جديد يتطلب قراراً لجوش مكدويل.

(2) Wilson,p 71-72.

(3) Wilson, p74-75.

(4) Wilson, p 65.

(5) Albright Archaeology and the Religion of Israel p.167.

(7) McDowell. P 373.

(11) McDowell. P 375.

الرد السادس

مخطوطات العهد الجديد

تشهد على حفظ الله للعهد الجديد

 

أما ما زعمه وادعاه الدكتور زغلول النجار وقوله أن أقدم مخطوطة للإنجيل ترجع للقرن السابع عشر!! فنقول له يا فضيلة الدكتور من أتاك بهذه المعلومات التي لا أساس لها من الصحة؟!! لماذا تأخذ معلومات ممن لا يعلمون والقرآن يوصيك في مثل هذه الحالة بقوله: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " (النحل: 43 والأنبياء 7)!! وعملاً بهذه الوصية وبحسب وصية الكتاب المقدس " قدسوا الرب الإله في قلوبكم مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة " (1بط3: 15)، نقدم لك الحقيقة التي غابت عنك ونقدم لك فقط مخطوطات الإنجيل التي ترجع للفترة من سنة 68م إلى 220م فقط!!وهي تغطي كل أجزاء وأسفار العهد الجديد وأسفاره السبعة والعشرين. وكان بعضها يؤرخ بتواريخ أحدث ولكن في السنوات العشر الماضية حدثت تطورات كثيرة نتيجة للاكتشافات الحديثة وما توصل إليه علم دراسة المخطوطات القديمة مؤخراً جعل العلماء يعيدون تأريخ المخطوطات القديمة ثانية، ونتيجة لذلك فقد توصلوا لنتائج قلبت نظريات نقاد الكتاب المقدس رأسا على عقب ودقت المسمار الأخير في نعش النظريات التي نادت بأن شخصية المسيح لم يكن لها وجود تاريخي بالمرة(1)!! وحطمت النظريات الإلحادية التي زعمت أن الأناجيل كتبت بعد رحيل الرسل عن هذا العالم. كما برهنت على صحة العقيدة المسيحية.

وفيما يلي هذه المخطوطات مع أحدث الدراسات التي أجريت عليها في السنوات العشر الأخيرة:

1 - بردية الإنجيل للقديس متى (P64 وهي من أروع وأقدم مخطوطات العهد الجديد

البردية (P64) والتي تتكون من ثلاث قصاصات من الإنجيل للقديس متى، وقد وجدت أولاً في كنيسة بالأقصر سنة 1901م واستقرت بعد ذلك في كلية مجدالين Magdalene Collage بأكسفورد، وكانت تؤرخ على أنها كتبت فيما بين سنة 150 -200م. ثم أعاد عالم البرديات الألماني البارز كارستن ثيد Carsten Thiedeاكتشافها ثانية بعد أن رآها للمرة الأولى في فبراير 1994م ثم زار أكسفورد بسببها أربع مرات حتى يتمكن من دراستها بالتفصيل وبعد دراسات عديدة معقدة اكتشف أنها ترجع بكل تأكيد لسنة 65م وأن كاتب الإنجيل لا بد أن يكون أحد رسل المسيح وأن كاتب المخطوطة نفسها لابد أن يكون أحد الذين شاهدوا المسيح شهادة عيان. وأثار هذه الخبر ضجة في العالم وحطم كل النظريات المضادة للكتاب المقدس والعقيدة المسيحية. ونشر الخبر في الصحف ووكالات الأنباء العالمية سنة 1994م، ثم نشرت الخبر جريدة الديلي ميل البريطانية في 23 مارس 1996م تحت عنوان " هل هذه شهادة شاهد عيان تبرهن على أن يسوع عاش على الأرض " في صفحتين كاملتين معلنة نهاية مزاعم وادعاءات النقاد الذين زعموا أن الأناجيل قد كتبت بعد فترة طويلة من صعود المسيح وأكدت على أن ناسخ هذه البردية لا بد وان يكون أحد الذين شاهدوا الرب يسوع المسيح واستمعوا إليه. كما يؤكد كاتب المقال على أن اللغة المستخدمة في البردية واضحة ومباشرة وغير مزينة وتدل دلالة قاطعة على أن كاتبها عاش الإثارة والشد في اللحظات الحاسمة من حياة يسوع، كما تبين أن التلاميذ كانوا، وقت العشاء الرباني وإعلان السيد أن واحداً منهم سيخونه، يتكلمون، جميعاً، متذمرين وخائفين: " هل أنا هو يا رب " ويسيطر على اللغة توتر ورعب تلك اللحظة المضطربة.

 

2 - بردية الإنجيل للقديس لوقا (P4)(2)؛ وتوجد البردية (P4) والتي تضم أجزاء من الإنجيل للقديس لوقا في المكتبة القومية في باريس وكانت تؤرخ على أنها ترجع للقرن الثالث الميلادي، وبعد الدراسات الحديثة التي تمت مؤخراً أعلن العلماء ومنهم العالم الألماني كارستين ثيد، أيضاً، في كتابه " Jesus Papyrus " أن هذه البردية كانت جزءًا من نفس مجلد بردية الإنجيل للقديس متى وترجع لنفس تاريخ نسخها، أي قبل سنة 68م، ويرى البعض أنها ترجع لنهاية القرن الأول أو بداية القرن الثاني على الأكثر.

3 - مخطوطة جون رايلاندز John Rylands (P52): والتي اكتشفت بصحراء الفيوم بمصر سنة. وتحتوى على (يوحنا 31: 18-33). 1935والمحفوظة بمكتبة جون رايلاندز في مانشستر بإنجلترا وعندما قام روبرتس C. H. Roberts خبير البرديات في أوكسفورد بدراستها واستشارة علماء البرديات الأكثر خبرة منه وجدوا أنها ترجع لما بين 117 و 135م، على أكثر تقدير. ويرى أدولف ديسمان Adolf Deissmann أنها ترجع لزمن أقدم(3). ثم أعيد دراسة تاريخ المخطوطة، مؤخراً، ووجد العلماء أن أسلوب الكتابة الذي كتبت به غطى الفترة من بداية ثمانينيات القرن الأول إلى سنة 130م مما يؤكد، في رأى الكثيرين منهم، أنها كتبت بين سنة 85 و95م، وهو نفس تاريخ كتابة الإنجيل للقديس يوحنا. وكانت حتى سنة 1994 تعتبر أقدم شاهد للعهد الجديد(4).

وقد برهنت هذه المخطوطة على أن الإنجيل للقديس يوحنا قد كتب في القرن الأول وأبطلت مزاعم النقاد الذين زعموا أنه كُتب سنة 160م! يقول خبير المخطوطات بروس ميتسجر " لو أن هذه المخطوطة الصغيرة كانت معروفة في منتصف القرن الماضي، فإن مدرسة نقد العهد الجديد التي أسسها فيرديناند كريستيان باور الأستاذ الشهير بجامعة توبنجن Tübingen لم تكن لتفترض أن الإنجيل الرابع لم يكتب حتى عام 160م تقريباً "(14).

4 - مخطوطة (P66 موجودة في مجلد مكون أصلاً من 146 ورقة ويوجد منها الآن 104ورقة وبعض الأوراق القليلة في مكتبات أخرى(15)، وتشتمل على الإنجيل للقديس يوحنا بالكامل باستثناء بعض الأجزاء التي تلفت صفحاتها. وترجع حسب أحدث الدراسات لما بين سنة 125 و 150م. فيرى هنجر Hunger أنها ترجع ل 100 إلى 150م، وقال بعض آخر أنها ترجع ل 125 إلى 175م(16).

5 - مخطوطة (P72) وتشتمل على رسالتي بطرس الرسول الأولى والثانية ورسالة يهوذا بالكامل وترجع لسنة 200م. ويصفها ميتسجر بأنها أهم اكتشاف لمخطوطات العهد الجديد منذ شراء برديات تشستربيتي(17).

6 مخطوطة(P75) وتضم الجزء الأكبر من الإنجيل للقديس يوحنا والإنجيل للقديس لوقا. وترجع لحوالي سنة 180م ونصها شبيه تماماً بنص المخطوطة الفاتيكانية والتي ترجع للقرن الرابع وهى بذلك تبطل بصورة حاسمة وقاطعة مزاعم النقاد الذين ادعوا أنه حدثت مراجعة للعهد الجديد في القرن الرابع وتثبت سلامة نصوص وآيات العهد الجديد عبر كل العصور.

7 - مخطوطة (P45) وتحتوى على أجزاء كبيرة من الأناجيل الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا وأعمال الرسل، ولهذه البردية جزء آخر موجود في المكتبة الوطنية بفيينا يحتوى على جزء من الإنجيل للقديس متى، وكان يعتقد أنها ترجع لحوالي 220م وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنها ترجع لسنة 150م.

8 - مخطوطة (P46) وتحتوى على جزء كبير من تسع رسائل للقديس بولس الرسول هي: رومية و1 كورنثوس و2 كورنثوس وغلاطيه وأفسس فيلبى وكولوسى و1تسالونيكى وعبرانيين. وكان يعتقد أنها ترجع لحوالي سنة 220م. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنها ترجع لحوالي سنة 85 م، أي أنها نسخت في حياة القديس يوحنا. فقد قام عالم البرديات يونج كيو كيم Young Kyu Kim بعمل مقارنة بين أسلوب وخط الكتابة المكتوبة به المخطوطة فوجد أنه نفس أسلوب الكتابة والخط الذي كتبت به مخطوطات نهاية القرن الأول والذي لم يوجد له مثيل لا في القرن الثاني أو الثالث(19).

9 - مخطوطات قمران والعهد الجديد: كما أدى اكتشاف مخطوطات قمران في كهوف وادي قمران بالبحر الميت إلى وجود أجزاء صغيرة من مخطوطات العهد الجديد ترجع لما قبل سنة 68م. وفيما يلي هذه الأجزاء:

مخطوطة (7Q5)(26) والإنجيل للقديس مرقس؛ فقد وجد في كهف 7 مجموعة من المخطوطات باللغة اليونانية وعند دراسة العالم الأسباني جوسي آو كالاجان OCallagghan وجد بعض القصاصات بها آيات من العهد الجديد، وبعد الدراسة توصل للآتي؛

(1) أن كهف 7 هو الكهف الوحيد من كهوف قمران الذي وجد به نصوص يونانية.

(2) أقفل الكهف نهائياً سنة 68م عندما استولت الكتيبة الرومانية العاشرة على المنطقة في ذلك التاريخ، وبالتالي فكل ما بالكهف مكتوب قبل سنة 68م.

(3) المخطوطة(7Q5) تحتوى على الآيات (52: 6-53) من الإنجيل للقديس مرقس.

(4) بعد دراسة اللغة وأسلوب الكتابة توصل إلى أن التاريخ المحتمل لهذه المخطوطة يرجع لسنة 50م. ويجب أن نضع في الاعتبار أن وجود جزء من الإنجيل في مغارة متعبد يهودي يعنى أنه قد توصل إليها بعد انتشارها في الأوساط المسيحية بعدة سنوات، وبما أن الكهف قد أغلق سنة 68 م فلابد أن يكون قد حصل عليها قبل ذلك بفترة وبعد أن كتب الإنجيل واستدار وأنتشر بعدة سنوات. وهذا يعنى أن هذه المخطوطة قد كتبت في الوقت الذي كان فيه القديس مرقس ومعظم الرسل أحياء.

كما وجد أيضاً في نفس الكهف 8 قصاصات أخرى غير (7Q5)(27) تتطابق مع بعض فقرات العهد الجديد منها ثلاثة من الإنجيل للقديس مرقس، وهي كالآتي:

7Q6 = مر28: 4

7Q7 = مر17: 12

7Q6 = أع38: 27

7Q9 = رو11: 5- 12

7Q4 = 1تى 16: 3-3: 4

7Q8 = يعقوب 23: 1-24

7Q10 = 2بط15: 1

7Q15 = مر48: 6

وكان منطقه في ذلك هو؛ كالما أن هناك نصوص في الكهف من العهد الجديد فمن الطبيعي أن يكون هناك نصوص أخرى منه. وقد تبين له أن الأربع قصاصات المأخوذة من الإنجيل للقديس مرقس نسخها أربعة نساخ مختلفين.

والخلاصة هي أنه يوجد لدينا أجزاء كبيرة لكل أسفار العهد الجديد ترجع لما بين سنة 68م وسنة 220م، أي أنها نسخت جميعاً في عصر تلاميذ المسيح ورسله وبعضها كتب بواسطتهم مباشرة وعصر تلاميذهم وخلفائهم، الآباء الرسوليين، وبعضها الآخر كتب في عصر تلاميذ تلاميذهم!! حيث تضم البرديات P45 , P46 , P47 , P66 , P75 الإنجيل للقديس يوحنا كاملاً والإنجيل للقديس لوقا كاملاً و11 رسالة كاملة من رسائل القديس بولس (هي رومية و1و2 كورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبى وكولوسى و1و2 تسالونيكى والعبرانيين) وأجزاء كبيرة من الإنجيل للقديس متى والإنجيل للقديس مرقس وسفر الأعمال وسفر الرؤيا.

وفيما يلي جدول بأهم وأقدم المخطوطات اليونانية حسب الدراسات التي قام بها العالم الألماني ثيد والعالم الأمريكي د. فيليب كُمفورت Dr. Philip Comfort وآخرين:

المخطوطة

محتوياتها

تاريخها

بردية الكلية المجدلية P64

متى: 726- 8 10و14-15

و21-23و31

قبل سنة 66م

مخطوطة قمران 7Q5

مرقس52: 6-53

ما بين سنة 50 و 68م

مخطوطة قمران 7Q4

1 تيموثاؤس 16: 3-3: 4

قبل سنة 68م

مخطوطة برشلونة P67

متى 9: 3،15؛

متى 20: 5-22 ,25-28

قبل سنة 66م

مخطوطة باريس P4

لوقا 23: 3؛38: 5

قبل سنة 66م

مجموعة رسائل ق. بولس

10 من رسائل القديس بولس

سنة 85م

مجلد يوحنا P66

معظم الإنجيل للقديس يوحنا

ما بين 125 و 150م

P32

تيطس 11: 1-15؛ 3: 2-8

سنة 175 م

P45

11 من رسائل القديس بولس

سنة 150 م

P77

متى 30: 23-39

سنة 150 م

P87

فليمون 13-15 و24-25

سنة 125 م

P90

يوحنا36: 18 - 7: 19

سنة150 م

جون ريلاندز P52

يوحنا 31: 18-33 و37و38

ما بين سنة 100-125م

P77

30: 23 -39

سنة 150م

P1

متى 1: 1-9 و12و14-20

حوالي سنة 100 م

P90

يوحنا 36: 18 -7: 19

ما بين 125 - 150 م

مجموعة تشستر بيتى

P45 , P46 , P47

تضم أجزاء كبيرة من العهد

الجديد

سنة 200 م

 

وهكذا يتبين لنا أنه يوجد لدينا مخطوطات قريبة جداً من زمن الرسل ومعاصرة لبعض تلاميذهم الذين كانوا لا يزالون يحفظون الإنجيل الذي تسلموه وحفظوه شفوياً والذين كانت لديهم المخطوطات الأصلية التي كتبها الرسل بالروح القدس أو على الأقل كانت لديهم نسخ منقولة عن الأصل مباشرة. فلدينا حوالي 20 مخطوطة تضم كل أسفار العهد الجديد ترجع لما بين 68م و220م. ولدينا حوالي 100 مخطوطة ترجع لما قبل نيقية.

أما عن تسمية أسفار العهد القديم بهذا الاسم فهي تسمية مسيحية. فاليهود يطلقون على أسفارهم التوراة، والتوراة هي أسفار موسى الخمسة (التكوين والخروج واللاويين والعدد والتثنية) يليها عندهم الأنبياء وتتكون من يشوع إلى ملاخي، ثم الكتابات وتتكون من أيوب والمزامير وأمثال والجامعة ونشيد الانشاد وأخبار الأيام وعزرا ونحميا، وأطلقوا عليها تناخ أو تناك TANAK أو Tanakh من العبرية " תנ״ך "، وهي الحروف الأولى من الكلمات " תורה Torah – توراة " و " נביאים - Nevi'im - نبييم – أي الأنبياء " و " כתובים - Ketuvim – أي الكتابات". ثم أطلقوا كلمة توراة على جميع أسفار العهد القديم، وكان الرب يسوع المسيح يسميها " ناموس موسى والأنبياء والمزامير " (أع24: 44). وبعد الكرازة أطلق المسيحيون على هذه الأسفار العهد القديم وذلك لسببين، الأول هو أن أنبياء العهد القديم تنبأوا عن عهد جديد سيقمه الرب من خلال نسل سيأتي من داود النبي والملك: " ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويجري حقا وعدلا في الأرض. في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا " (ار23: 5و6)، و " ها أيام تأتي يقول الرب واقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا " (ار31: 31)، " ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها إلى بيت إسرائيل وإلى بيت يهوذا. في تلك الأيام وفي ذلك الزمان انبت لداود غصن البر فيجري عدلا وبرا في الأرض. في تلك الأيام يخلص يهوذا وتسكن أورشليم آمنة وهذا ما تتسمى به الرب برنا " (ار33: 14و15)، " وداود عبدي يكون ملكا عليهم ويكون لجميعهم راع واحد فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها. ويسكنون في الأرض التي أعطيت عبدي يعقوب إياها التي سكنها آباؤكم ويسكنون فيها هم وبنوهم وبنو بنيهم إلى الأبد وعبدي داود رئيس عليهم إلى الأبد. واقطع معهم عهد سلام فيكون معهم عهدا مؤبدا واقرّهم وأكثرهم واجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد " (حز37: 24 -26).

وهذا النسل هو المسيح كما قال الملاك للعذراء: " هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية " (لو1: 32 و33). وقد أتم الرب يسوع المسيح هذا العهد الموعود والمتنبأ عنه بدمه " لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا " (مت26: 28). وقد شرح القديس بولس بروح هذه النبوات بالقول: " لأنه يقول لهم لائما هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أكمّل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديدا. لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من ارض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم يقول الرب. لأن هذا هو العهد الذي اعهده مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب اجعل نواميسي في أذهانهم واكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا... فإذ قال جديدا عتق الأول. وأما ما عتّق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال ثم العهد الأول كان له فرائض خدمة والقدس العالمي... وأما إلى الثاني فرئيس الكهنة فقط مرة في السنة ليس بلا دم يقدمه عن نفسه وعن جهالات الشعب " (عب8: 8- ؛9: 1و7). ورئيس الكهنة الثاني هذا هو الرب يسوع المسيح: " وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد إي الذي ليس من هذه الخليقة وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديا". وعلى هذا الأساس الكتابي سمى المسيحيون أسفار العهد القديم بالعهد القديم وأسفار العهد الجديد بالعهد الجديد. أما القول بأن الله لم ينزل كتابا اسمه العهد القديم ولم ينزل كتاباً اسمه العهد الجديد فهذا راجع لعدم الدراسة وسوء الفهم!! ونقول لسيادته أن القرآن لم يقل أن الله أنزل ما يسمى بالمصحف ولا يوجد هذا اللفظ في القرآن على الإطلاق بل هو فقط تسمية إسلامية مأخوذة عن الحبشية!!

فكيف تقبل تسمية للقرآن باسم لا وجود له في نصوص القرآن وآياته وترفض اسماً يستخدمه المسيحيون مأخوذاً من كتابهم المقدس؟؟!!

 

---

(3) Metzger, the Text of the New Testament p, 39 & Geisler and Nix Gen Int. NT p,388.

(4) Carsten Peter Thiede, The Earliest Gospel Manuscript? Pp.11-22.

(14) Metzger, the Text of the New Testament p, 39.

(16) Christian Debater, p.3.

(27)Ibid.p.42-63& Greek Qumran Fragment 7Q5: Possibilities and Impossibilities.

الرد السابع

كتابنا مقدس لأنه كلمة الله الحية

كما أننا لسنا كفرة ولا مشركين

 

1 - كتابنا قهر كل منتقديه بقوة روح الله:

ما أغرب ما وصل إليه الدكتور زغلول هو سبه للكتاب المقدس بطريقة لم تحدث من أحد العلماء من قبل ووصفه له بالمكدس وبالبذاءة وقوله في إحدى المجلات: " بذاءة وركاكة ما يسمى بالكتاب المقدس "!! وقال في قناة أوربت: " الكتاب المكدس الذي يسمونه بالمقدس "!! وهذا الكلام يوقعه تحت طائلة قانون ازدراء الأديان، ونحن لا نرد على أسلوبه هذا لأننا أرفع وأسمى من أن نستخدم مثل هذا الأسلوب المتدني في الكلام عن الكتب التي يقدسها أصحابها، على الأقل، ونقول له هذا أسلوب العاجز لا أسلوب العالم!! لأن العالم يرد على الكلمة بالكلمة لا بهذا الأسلوب المتدني في الحوار!!!

كما زعم بلا دليل ولا برهان، كعادته في توجيه اتهاماته الباطلة، وقال أنه يوجد في الكتاب المقدس أربعة وثلاثون نبياً من الأنبياء " أبناء زنى محارم وأنهم زنوا بمحارمهم "!!! وهنا نقول له ونرجوه ونتوسل إليه أن يذكر لنا نبياً واحداً في الكتاب المقدس وليس أربعة وثلاثين، يذكر واحداً وليس أثنين أو ثلاثة، نبياً واحداً فقط، يقول الكتاب المقدس أنه جاء من زنى محارم أو أنه مارس زنى المحارم!! ولا تقل لنا ما حدث بين لوط وبنتيه لأنه بصرف النظر عن أسباب ما حدث فلوط، بالنسبة لنا على الأقل ليس من الأنبياء بل هو فقط ابن أخي إبراهيم، ولا نعتقد أن خطأ ابن أخي النبي، أن كان قد أخطأ من الأصل، يحسب عليه كنبي!! كما نقول أن كان الكتاب قد ذكر بعض خطايا الزنى لبعض الأشخاص في الكتاب المقدس، وهذا ما نشرحه بالتفصيل في كتاب أخر، فهؤلاء لأشخاص مهما كانت مكانتهم قد تابوا!! بينما يذكر القرآن أن كل من امرأة نوح وامرأة لوط كفرتا بالله وبنبوة زوجيهما ودخلا النار: " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ " (التحريم: 10). وكذلك ابن نوح الذي كفر بدعوة أبيه فكفر وهلك: " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ " (هود: 42 و43). وسيادتكم تعرف القاعدة الإسلامية وهي: " ليس بعد الكفر أثم "!!

ثم راح فضيلته يقول كلام مرسل عشوائي ويلقي بالاتهامات دون دراسة أو بحث وبلا برهان أو دليل!! كقوله: " ضربات العلمانيين الغربيين، مثل رواية " شفرة دافنشي " التي باعت أكثر من ستين مليون نسخة وهى تفضح الأصول النبوية للعقيدة المسيحية. ومثل اكتشاف ونشر إنجيل يهوذا الذي يهدم فكرة صلب المسيح وعقيدة المخلص. ومثل أعمال علماء اللاهوت المشكلين لندوة يسوع Jesus Seminar الذين يفضحون أخطاء كتب العهد الجديد "!! وهكذا يقول كلام عشوائي انفعالي مرسل دون أن يقرأ هذه الكتب وتجاهل ما كتب عن هذه الكتب وردودنا عليها في الجرائد والتلفزيون والكتب وأننا أثبتنا كذبها وفسادها وأن كلامها لا يرقى ولا يزيد كثيراً عن كلام سيادته!! كما أن سيادته لا يعرف أن فكرة إنجيل يهوذا المنحول كلها تقوم على حقيقة صلب المسيح!! وأن جماعة Jesus Seminar ما هم إلا مجموعة من المغامرين اللادينيين الذين لا يؤمنون بالغيبيات ولا بالمعجزات فقط يؤمنون بما يرونه بأنفسهم ومنهم ملحد ومخرج سينما وبالتالي لا يؤمنون بالوحي، فهل تظن أنهم رفضوا الإنجيل وآمنوا بالقرآن؟! يا فضيلة الدكتور أن مثل هؤلاء يرفضون كل ما له صلة بالغيبيات والمعجزة؟؟!!

وبعد ذلك يدخل في مهاترات ويتكلم في أمور لا يعرف عنها شيئاً فقط كلام عشوائي مرسل عن العقيدة عبر تاريخ المسيحية وهنا نحيله على كتابنا " لاهوت المسيح حقيقة إنجيلية تاريخية أم نتاج مجمع نيقية؟".

ثم يقول بدون فهم أو وعي أو معرفة للمسيحية وكتابها المقدس: " العقيدة المسيحية في أصلها تحتقر العقل والمنطق: ألا نقرأ في العهد الجديد " اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء!! الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة!! (كورنثوس 1: 27-28، 2: 18-20)!!! ونقول له يا فضيلة الدكتور أن الكتاب المقدس هنا يقصد تلاميذ المسيح الذين بمعرفتهم المحدودة، كما وصفهم قادة اليهود بالعاميين، قد ملأهم بروحه القدوس فصاروا أسمى وأعظم من الحكماء الذين يعتمدون على فكرهم البشري!! يقول الكتاب أنه عندما واجه القديسان يوحنا وبطرس، اللذان كانا في الأصل صيادي سمك، قادة اليهود ذهل هؤلاء القادة لقوة حجتهم وعمل الله الذي يجري على أيديهما: " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميّان تعجبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع " (أع4: 13). هذا هو ما قصده الوحي الإلهي!! وأنت تؤمن يا فضيلة الدكتور وبكل فخر أن نبيك في الأصل أمي وتصفه بالنبي الأمي! فلماذا تتهكم على الكتاب المقدس وتتكلم فيما لا تعلم؟؟!!

كما راح يسخر في إحدى غرف البالتوك ويقول لنا: " نحن من حقنا أن نتكلم عن المسيح عليه السلام لأننا نؤمن بنبوته ونؤمن ببعثته ومن حقنا أن نتكلم عن الإنجيل لأننا نؤمن بالإنجيل الصحيح الذي أتاه الله تعالى عيسى عليه السلام. أما كتابهم المكدس كما سماه أحد الأخوة الذين منّ الله عليهم بالإسلام... يسميه الكتاب المكدس لأننا لا نعلم من الذي جمع هذه الأسفار الذي أغلبها ليس بأيدي أنبياء ولا بأيدي مرسلين وجمع في كتاب واحد ولا يعرفون من الذي جمعه ولا أين جُمع ولا بأية لغة جُمع ولا متى جُمع".

ونؤكد له ثانية وثالثة ولن نمل عسى أن يسمع في يوم من الأيام أن كتبانا المقدس كتبه الأنبياء والرسل بالروح القدس: " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس " (2بط21: 1)، وأن كل كلمة فيه هي كلمة الله: " كل الكتاب هو ما تنفس به الله " (2تي3: 16). ومنعاً للتكرار نحيلة إلى العديد من الكتب التي كتبناها في هذا الموضوع(1).

 

2 – لسنا كفرة ولا مشركين بشهادة القرآن وكبار المفسرين:

وقال فضيلته في إحدى القنوات العربية وهو يتكلم عن أحد الشباب الذين تنصروا: " هذا الشاب لو أنه عنده ذرة من عقل ما قبل أن يترك التوحيد ويترك الدين الصحيح إلى دين غير صحيح ويفضل الشرك على التوحيد، والكفر على الإيمان، ويترك الإيمان إلى الكفر، لو أن عنده ذرة من عقل علماً بأن الأصل في الإسلام حرية التدين فالإنسان في الإسلام مخلوق مكرم".

وهنا نقول له لا يا فضيلة الدكتور لسنا كفرة ولا مشركين فنحن نؤمن بالله الواحد وبالمسيح كلمة الله الذي من ذات الله وفي ذاته والروح القدس الذي هو روح الله المنبثق من ذات الله وفي ذات الله، الله الواحد الموجود بذاته والناطق بكلمته والحي بروح. هذا هو إيماننا وما سيحاسبنا الله عليه وليس أنت أو غيرك. وكتابك المقدس القرآن يشهد بأننا لسنا كفرة ولا مشركين ويميز بيننا وبينهم فيقول: " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ " (المائدة: 82)، " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " (البقرة: 62). وهنا يفرق بين المسلمين واليهود والذين أشركوا والنصارى 00 الخ إذا يا فضيلة الدكتور بحسب إيماننا نحن مؤمنون وموحدون بالله، وبحسب كتابك المقدس ينطبق علينا قول القرآن في الآية الثانية.

 

نظرة القرآن إلى اليهود والنّصارَى

عندما ندرس الآيات القرآن بحيادية وأتباع تفاسير كبار المفسرين والعلماء، كما بيّنا بعضاً من هذه الآيات في الفصول السابقة، نجدها تتعارض تماماً مع ما زعمه فضيلة الدكتور عن تحريف الكتاب المقدس وفقدانه وضياعه وكذلك مع وصفه للنصارى بالكفرة والمشركين!! وفيما يلي نقدم بعض الآيات وتفسير العلماء لها لكي تكون الصورة كاملة وواضحة أمامنا وأمام فضيلة الدكتور ومن له أذنان للسمع فليسمع:

(1) وصف اليهود والمسيحيين بأهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ويعملون الخير:

à فقد جاء في (سورة آل عمران: 113 115): " لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ".

 

يقول د. محمد عمارة في تفسير هذه الآية: " فَفِيهِم مؤمنون صالحون، وهُم أهل كتاب غير مؤمنين بالشريعة المُحَمّدية 00 "(2).

ويضيف سيادته: " وفي إطار الفِكر القرآني الذي حرص على عدم التّعميم في الأحكام، وعَمَد إلى التّمييز بين أهل الكتاب الذين ظلّوا على شريعتهم قائمين بعد البعثة المحمدية، ومع ذلك سلكوا سلوك الناجين، وبين أولئك الذين انحازوا إلى أعداء المسلمين من المشركين 00 في هذا الإطار تأتي آيات القرآن التي تقول عنهم أنهم: " لَيْسُوا سوَاءً...". " فالحديث هنا عن جماعة " أمة " كانت قائمة وموجودة بعد ظهور الإسلام وبَعثة محمد (صلعم)، وهي قد ظلّت على شريعتها، مُهتَدِيَة بهُدَى هذه الشريعة، دون أن تؤمن بشريعة محمد الإسلامية، ومع ذلك فَهُم من " الصالحين "، وما قَدّمَته أيديهم من خير فلَن يُصيبُه الإحباط، ولن يُكفَروه " وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ".

وعن هذه الآية التي تبرز العدل الإلهي والإنصاف الرّباني يتحدّث الإمام محمد عبده فيقول: " هذه الآية من العدل الإلهي في بيان حقيقة الواقع 00 وهي دليل على أن دين الله واحد على ألسِنَة جميع الأنبياء، وأنّ كل مَن أخذه بإذعانٍ، وعمل فيه بإخلاصٍ، فأمر بالمعروف ونَهَى عن المُنكر، فهو من الصالحين.

وظاهر أن هذا الذي قبله في أهل الكتاب حال كَونِهم على دينهم، خلافاً للمفسرين الذين حملوا المدح على مَن أسلَمَ منهم، فإن المسلمين لا يُمدَحون بوصف أنّهم أهل كتاب، وإنما يُمدَحون بعنوان المؤمنين... "(3).

وهذه ما يؤكده جلال الدين السيوطي في أسباب نزول الآيات السابقة من سورة آل عمران حيث يقول: " أخرَجَ أحمد وغيره عن ابن مسعود قال: أخّرَ رسول الله (صلعم) صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد، فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أمّا إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم، فأُنزلت هذه الآية " لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ " حتّى بلغ " وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ "(4).

ويقول الواحدي والنيسابوري أيضاً في أسباب النزول: " نزلت في أهل الكتاب عندما قال النّبي (صلعم): " إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب "(5).

 

(2) وصفهم بالإيمان بكتابهم وتلاوتها حق التلاوة:

à جاء في (سورة البقرة: 121): "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ".

جاء في تفسير ابن كثير: " قال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة: هم اليهود والنصارى. وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، واختاره ابن جرير... وقال ابن أبي حاتم:... عن عمر بن الخطاب { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ } قال: إذا مر بذكر الجنة سأل الله الجنة، وإذا مر بذكر النار تعوذ بالله من النار. وقال أبو العالية: قال ابن مسعود: والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يُحِلَّ حلاله ويحرم حرامه ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله. وكذا رواه عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة ومنصور بن المعتمر، عن ابن مسعود. وقال السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: يُحِلُّون حلاله ويُحَرِّمُون حرامه، ولا يُحَرِّفُونه عن مواضعه. قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن مسعود نحو ذلك. وقال الحسن البصري: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، يَكِلُونَ ما أشكل عليهم إلى عالمه. وقال ابن أبي حاتم:... عن ابن عباس، في قوله: { يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ } قال: يتبعونه حق أتباعه "(6).

وقال الجلالان " (يتلونه حق تلاوته) أي يقرءونه كما أُنزِل. (ومَن يكفر به) أي بالكتاب المُؤتَى به بأن يحرفه "(7).

وقال السمرقندي: " يعني مؤمني أهل الكتاب يصفونه في كتبهم حق صفته لمن سألهم. قال مجاهد: يتبعونه حق أتباعه. وقال قتادة: ذكر لنا أن ابن مسعود قال: والله إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأ حق قراءته كما أنزل الله تعالى، ولا يحرَّف عن مواضعه. ويقال: يقرؤونه حق قراءته "(8).

ويلاحظ في الآية هنا قوله: " يتلونه " فعل مضارع، أي الكتاب الموجود معهم في زمن نبي المسلمين.

à وفي (سورة العنكبوت: 47) يقول: " فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ " (العنكبوت: 47).

قال د. محمد عمارة في تفسير هذه الآية: " وعن مثل هؤلاء القوم من أهل الكتاب تتحدّث الآية التي تثبت لطائفة منهم الإيمان بكتابهم (العنكبوت: 47)، فهُم مؤمنون بكتابهم ولذلك ميّزهم القرآن عن الجاحدين الكافرين "(9).

 

(3) ووصفهم بأنهم يهدون بالحق وبه يعدِلون:

à جاء في (سورة الأعراف: 159): " وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ".

وجاء في تفسير ابن كثير: " يقول تعالى مُخبِراً عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به، كما قال تعالى: " مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ " (آل عمران: 113)(10). (106)

وجاء أيضاً في التفسير: (ومن قوم موسى) جماعة (يهدون) الناس (بالحق وبه يعدلون) في الحكم. (107)

وقد قال د. محمد عمارة في صدد هذه الآية: " وفي آية أخرى يتحدّث القرآن عن طائفة من اليهود ظَلّوا على يهوديتهم أي ظلوا من قوم " موسى " لا من قوم محمد، ومع ذلك وصفهم بأنهم " يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ " (الأعراف: 159). ويستخدم القرآن هنا فعل المضارعة، وهو المُعَبِّر عن الفعل الواقع في الحال والمستمر للمستقبل " يهدون بالحق وبه يعدلون "(10).

 

(4) ومَيَّزَ وفَصَل بين أهل الكتاب والذين كفروا والذين أشركوا والذين في قلوبهم مرض بآيات واضحة صريحة:

à فقال في (سورة الحج: 17): " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ".

à وقال في (سورة المُدّثّر: 31): " وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ" (المدثر: 31).

à وفي (سورة المائدة: 82): " لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ " (المائدة: 82).

يقول فضيلة الدكتور المرحوم أحمد الشرباصي، الأستاذ الأسبق بجامعة الأزهر، في شرح (سورة البينة: 1): " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ": " فقد عطف المشركين على أهل الكتاب فكأنهما صنفان لا صنفاً واحداً، لأن ظاهر العطف بالواو بين أهل الكتاب والمشركين يقتضي المغايرة، فهؤلاء غير أولئك. ولذلك قال بعض العلماء في الإفتاء: ذهب بعض السّلَف إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يتزوج بغير المُسلِمة مطلقاً، ولكن الجمهور من السّلف والخَلَف قد أحل الزواج بالكِتابية، وحرّم الزواج بالمُشرِكة، ويريدون بالكتابية اليهودية والنصرانية، وأحل بعضهم المجوسية أيضاً، ويريدون بالمُشركة الوثنية مطلقاً، بل عَدّوا جميع الناس وثنيين ما عدا اليهود والنصارى، ومن الناس مَن قال أنهم من المشركين، ولكن التحقيق أنهم لا يُطلَق عليهم لقب المشركين. لأن القرآن عندما يذكر أهل الأديان يعد المشركين، أو الذين أشركوا صنفاً، وأهل الكتاب صنفاً آخر. يعطف أحدهما على الآخر والعطف يقتضي المغايَرَة كما هو مُقَرّر* وليس هناك فرق في هذا الحُكم بين أهل الكتاب في الزمن القديم وأهل الكتاب في الزمن الحديث، فالكل أبناء دين واحد. فليس هناك مانع شرعي يلزم المسلم بعدم الزواج من نساء أهل الكتاب الآن "(11).

 

(5) ويرثي شهداء نجران المسيحيين:

à جاء في (سورة البروج: 4 7): " قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ".

وجاء في تفسير المنتخب لمجمع البحوث الإسلامية: " لقد لعن الله أصحاب الشّق المستطيل في الأرض أصحاب النار ذات الوقود التي أضرموها لعذاب المؤمنين. إذ هُم على حافّتها قعود يشْهَدون عذاب المؤمنين "(12).

ويقول د. عبد الجليل شلبي*: " وكان ذو نواس آخر ملوك الحِميَرِيين - من ذَوِي التّعَصُّب الشديد ضد المسيحية، وإليه تُنسَب مذبحة تاريخية في نجران، ويُقال أنّه أحرق المَسيحيين، وأنه هو الذي وردت الإشارة إليه في الآية الرابعة وما بعدها من سورة البروج... ويقول فضيلته: إنه في سنة 500م** صارت نجران مركزاً للمسيحية وكانت تتبع المذهب المونوفستي القائل بالطبيعة الواحدة وفي سنة 525م دخلها الأحباش وظلّوا بها نحو خمسين عاماً، فأنشأوا لهم كاتدرائية كبيرة في صنعاء "(13).

وذكر البيضاوي قول بعض العلماء: " لمّا تنَصّر نجران غزاهم ذو نواس اليهودي من حِميَر، فأحرق في الأخاديد مَن لم يَرتَدّ "(14). ويؤكد الأستاذ أحمد أمين ذلك تاريخياً فيقول: وكان نصارى نجران – على ما يستظهر (أوليري) – على مذهب اليعاقبة (أصحاب الطبيعة الواحدة)، وهذا يعلل اتصالهم بالحبشة (لأنهم كانوا يَعَاقِبَة أيضاً) أكثر من اتصالهم بالرومان(15).

وما ذكره كل من د. عبد الجليل شلبي والبيضاوي من أقوال بعض العلماء إضافة إلى ما ذكره الأستاذ أحمد أمين يوضح لنا أن المسيحيين (النصارى) الذين ذكرهم القرآن ورثاهم واعتبرهم مؤمنين - هم أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة - أي الذين يؤمنون بطبيعة واحدة متجسدة للمسيح.

ويقول الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي عن طبيعة الرب يسوع المسيح وعلاقتها بالتوحيد: " نحن نعرف أن المسيحيين الأرثوذكس عامّةً والأقباط خاصة موحدون، لا يفصلون في المسيح بين طبيعته البشرية وطبيعته الإلهية كما يفعل الكاثوليك، بل يعتقدون أنه طبيعة واحدة تجمع بين الكلمة والجسد أو بين الله والإنسان (يسوع)، وهذا هو المذهب المعروف بالمونوفيزم* "(16).

 

(6) القرآن يساوي بين المسلمين واليهود والنّصارى:

à جاء في (سورة النساء: 123 124): " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً".

ويقول السيوطي في لباب النقول: " أخرج ابن جرير عن مسروق قال: تفاخر النصارى وأهل الإسلام فقال هؤلاء: نحن أفضل منكم، وقال هؤلاء نحن أفضل منكم، فأنزل الله: " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ". وأخرج نحوه عن قتادة والضّحّاك والسدي وأبي صالح، ولفظهم تفاخر أهل الأديان، وفي لفظ: جلس ناس من اليهود وناس من النّصارى وناس من المسلمين فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل، فنزلت. وأخرج أيضاً عن مسروق قال: لما نزلت " لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ " قال أهل الكتاب: نحن وأنتم سواء، فنزلت هذه الآية: " وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً "(17).

 

(7) القرآن يحلل الزواج من الكِتابيات ويحَرّم الزواج من المُشرِكات:

à جاء في (سورة المائدة: 5): " الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ".

وهنا يحلل القرآن الزواج من الكِتابيات في الوقت الذي يحَرّم فيه الزواج من المُشرِكات حَتّى يؤمن، مما يدل على التميز بينهم وبين الكفرة والمشركين.

à وجاء في (سورة البقرة: 221): " وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ...". لذلك قال قوم من العلماء أن أهل الكتاب ليسوا مُشرِكين(18). وينقل الدكتور محمد عمارة قول الإمام محمد عبده: " إن الكتابية ليس بينها وبين المؤمن كبير مباينة، فإنها تؤمن بالله وتعبده وتؤمن بالأنبياء وبالحياة الأخرى وما فيها من الجزاء وتدين بوجوب عمل الخير وتحريم الشّر 00 الفرق الجوهري والعظيم بينهما هو الإيمان بنبوة محمد (صلعم) ومزاياها في التوحيد والتهذيب... فكيف يكون أهل الكتاب كالمشركين في حُكمِه تعالى؟ "(19).

وفي موضع آخر يقول الإمام: " إن القرآن شرع شريعة الوفاق وقررها في العمل، فأباح للمسلم أن يتزوج من أهل الكتاب، وسَوّغ مؤاكلتهم، وأوصَى أن تكون مجادلتهم بالتي هي أحسن "(20).

ويقول الإمام أيضاً: " وإنما يبعد المسلم عن غيره جهله بحقيقة دينه، وهذه آيات القرآن شاهدة على ما نقول. إن القرآن وهو منبع الدين يقارب بين المسلمين وأهل الكتاب، حتّى يظن المتأمّل فيه أنّهم منهم، لا يختلفون عنهم إلا في أحكام قليلة "(21).

وفي شرح الآية السابقة يقول د. أحمد الشرباصي: " فقد نَصّت الآية على أنه يجوز للمسلم أن يتزوج المرأة المُحصَنَة من أهل الكتاب. والمسيحية من أهل الكتاب. وقد قرر حل هذا الزواج كثير من الصحابة والتّابعين... وكذلك ثبت أن عثمان بن عفان تزوج امرأة مسيحية واسمها " نائلة بنت القرافصة "، وعثمان هو الصحابي الجليل والخليفة الراشد الثالث وذو النورين كما يلقب في الإسلام "(22).

 

(8) وأحل طعام اليهود أهل الكتاب وحَرَّم طعام الكفار والمشركين:

à جاء في (سورة المائدة: 5): " الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ". قال فضيلة د. أحمد الشرباصي: " يحل للمسلم أن يأكل من طعام أهل الكتاب كالنصارى وذبائحهم سواء كانوا في الشرق أو في الغرب، لأن الله تبارك وتعالى يقول في سورة المائدة: " الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ". والمراد هنا بالطعام الذبائح واللحوم كما رُوِيَ ذلك عن عبد الله بن عباس وغيره. وقال ابن زيد: أحل الله طعامهم ولم يستثن منه شيئاً. وقال أبو الدرداء: إنما هم أهل الكتاب طعامهم حِلٌ لنا وطعامنا حِلٌ لهم، ولقد أكل رسول الله من شاة قدمتها إليه امرأة يهودية. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يأكلون من طعام النّصارى في الشام بلا نكير عليهم".

وقد قرر الفقهاء أن ذبيحة الكِتابي تحل للمسلم إذا كان المسلم لم يحضر حين ذبحها، أو لم يعلم عن طريقة الذبح شيئاً وسواء أذكر الذابح اسم الله على الذبيحة أو لم يذكره، لأن الله تعالى أباح لنا ذبيحة الكِتابي وقد علم الله أننا لا نطلع على ذبح كل ذابح ولكن لا تحل للمسلم ذبيحة الوثني الذي يعبد الصنم ولا ذبيحة المجوسي الذي يعبد النار، ولا ذبيحة مَن لا يَدين بدين، كما يحرم أكل الذبيحة التي يعلم المسلم أن ذابحها قد ذكر عليها اسم معبود غير الله، سواء أكان هذا الاسم اسم إنسان أو حيوان أو جماد أو كواكب، وهذا النوع المُحَرّم من الذبائح هو الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله في سورة المائدة: " ومَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِه".. لأن الله تبارك وتعالى قد أحل لنا طعامهم ومن الطعام الذبائح "(23).

وفي تفسير الآية السابقة أيضاً قال ابن كثير: " ثم ذكر حُكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى فقال: " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ". قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعِكرِمة وعطاء والحَسَن ومَكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيّان: يعني ذبائحهم. وهذا أمر مجمع عليه من العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبائح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله... "(24).

وهنا نوضح حقيقة هامة وهي: أن أهل الكتاب يذكرون على ذبائحهم اسم الله بعكس الكفار والمشركين لذلك أحل القرآن ذبائحهم. وهنا تمييز بين أهل الكتاب وبين المشركين والذين كفروا. ويقول نبي المسلمين: " ولا يأكل طعامك إلا تَقِيّ "(25). وهذا دليل على تقوى أهل الكتاب - بحسب الآية القرآنية السابقة وتفاسيرها.

 

(9) ويضع القرآن اليهود والنصارى كمرجع لقصص الأنبياء والأمم السابقة:

à جاء في (سورة الزخرف: 45): " وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ".

وجاء في تفسير ابن كثير: " قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود: " وَاسْأَلْ الذين أَرْسَلْنَا إليهم قَبْلكَ رُسُلنَا". وهكذا حكاه قتادة والضّحاك والسدي عن ابن مسعود واختار هذا التفسير ابن جرير "(26).

وجاء في الجلالين: وقيل المراد أُمم من أي أهل الكتابين(27).

وقال البيضاوي: أي واسأل أممهم وعلماء دينهم(28).

وجاء في تفسير المُنتَخَب: وانظر في شرائع مَن أرسلنا مِن قبلِك من رسلنا، أجاءت فيها دعوة الناس إلى عبادة غير الله! لم يجيء ذلك (29)...

à وجاء في (سورة يونس: 94): " فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ".

قال الجلالان: " فَإِنْ كُنْتَ " يا محمد " فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ " من القَصص فرضاً " فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ " التوراة " مِنْ قَبْلِكَ " فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصِدقِه "(30).

à وجاء في (سورة النحل: 43 ومؤكدة في (سورة الأنبياء: 7): يقول لمُشرِكي مكة: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ".

جاء في تفسير الجلالين: " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ " العلماء بالتوراة والإنجيل " إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " ذلك فإنهم يعلمونه وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد "(31).

وجاء في تفسير ابن كثير: " فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ " يعني أهل الكُتُب المُتقدِّمة وهكذا رُوي عن مجاهد، عن ابن عباس، أن المراد بأهل الذِّكر: أهل الكتاب، وقاله مجاهد والأعمش "(32).

وهذا ما يؤكده المستشار العشماوي بقوله " فالقرآن حَثّ على احترام الشرائع الأخرى، وأمر بسؤال أهل اليهودية والمسيحية عَمّا غُمّ أمره علينا، بل وأمر بإقامة التوراة والإنجيل 00 ثم ذكر الآيات (البقرة: 62)، (النحل: 43)، (المائدة: 43، 44)، (المائدة: 47) وهي آيات في حق أهل الكتاب ثم قال: فدِراسة ما قبل الإسلام ليست مما ينهَى عنه الإسلام، بل هي ما يأمر به... "(33).

(10) وساوى بين أماكن عبادة اليهود والنصارى والمسلمين لأنه يُذكر فيها جميعاً اسم الله:

à جاء في (سورة الحج: 40): " وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا".

يقول تفسير المنتخب: ولولا أن الله سَخّر للحق أعواناً ينصرونه ويدفعون عنه طغيان الظالمين لَساد الباطل، وتمادَى الطُّغاة، وأخمَدوا صوت الحق. ولم يتركوا للنصارى كنائس ولا لرهبانهم صوامع ولا لليهود معابد، ولا للمسلمين مساجد يُذكر فيها اسم الله ذكراً كثيراً "(34).

وجاء في تفسير الجلالين: " صَوَامِعُ " الرهبان " وَبِيَعٌ " كنائس للنصارى و " صَلَوَاتٌ " كنائس لليهود بالعبرانية " وَمَسَاجِدُ " للمسلمين " يُذْكَرُ فِيهَا " أي في المواضع المذكورة " اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا " وتنقطع العبادات بخرابها "(35).

نفس هذه التفاسير ذكرها ابن كثير في تفسيره ونقل عن الضحاك قوله: الجميع يُذكر فيها اسم الله كثيراً(36).

وهنا يؤكد القرآن ومفسروه على أن صوامع الرهبان وكنائس النصارى وصلوات اليهود يُذكر فيها اسم الله كثيراً كما يذكر في المساجد وأن الله يدفع بعض الناس ببعض حتى لا تنقطع العبادات بخراب الأماكن المذكورة ويخمد صوت الحق.

 

(11) وجعل الذين اتبعوا المسيح فوق الذين كفروا به إلى يوم القيامة:

à جاء في (سورة آل عمران: 55): " إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".

وقد جاء في تفسير الطبري: " حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: "ومطهرك من الذين كفروا"، قال: الذين كفروا من بني إسرائيل = " وجاعل الذين اتبعوك "، قال: الذين آمنوا به من بني إسرائيل وغيرهم = " فوق الذين كفروا "، النصارى فوقَ اليهود إلى يوم القيامة. قال: فليس بلدٌ فيه أحدٌ من النصارى، إلا وهم فوق يهودَ، في شرقٍ ولا غرب، هم في البلدان كلِّها مستذلون "(37).

ومما قال البغوي: " وقيل: أراد بهم النصارى فهم فوق اليهود إلى يوم القيامة، فإن اليهود قد ذهب ملكهم، وملك النصارى دائم إلى قريب من قيام الساعة، فعلى هذا يكون الأتباع بمعنى الادعاء والمحبة لا إتباع الدين. { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } في الآخرة "(38).

ومن ضمن ما جاء في تفسير فتح القدير قوله: " وقيل: المراد: بالآية أن النصارى الذين هم أتباع عيسى لا يزالون ظاهرين على اليهود غالبين لهم قاهرين لمن وجد منهم، فيكون المراد بالذين كفروا هم اليهود خاصة؛ وقيل: هم الروم لا يزالون ظاهرين على من خالفهم من الكافرين، وقيل: هم الحواريون لا يزالون ظاهرين على من كفر بالمسيح، وعلى كل حال فغلبة النصارى لطائفة من الكفار "(39).

 

(12) القرآن يعتبر نصر الروم، المسيحيين، على الفُرس، نصر من الله:

à يقول في (سورة الروم: 1 5): " الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ".

تقول د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)**: " كان النبي (صلعم) يرقب الصراع الدامي بين الفرس والروم، وقد آلَمَه انتصار الفُرس المجوس على الروم أهل الكتاب".

وتقول في موضع آخر: " في أسباب النزول روى (الترمذي) من حديث ابن عباس ودينار بن مكرم الأسلَمِي، أن الآيات نزلت وفارس غالبة على الروم، وكان المسلمون يحبّون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم أهل أوثان".

وقالت أيضاً: " كان هرقل يقاتل في تخليص الشعب والصليب من أعداء الصليب 00 "، حتى كانت الموقعة الحاسمة قرب المدائن في فبراير 628م، فَرّ كِسرَى بعدها هارباً ذليلاً... إلخ. " وأعيد الصندوق الذي فيه الصليب المقدّس إلى هرقل لم يمسسه سوء "(40).

لعل موقف القرآن هذا من الروم (النصارى) هو الذي جعل النبي (صلعم) يتمَنّى انتصار الروم ويدعو لإمبراطور الروم قائلاً: " ثَبّت الله مُلكَه "(41).

 

(13) يَعِد القرآن اليهود والنصارى والمسلمين بالفوز والنّجاة:

à يقول في (سورة البقرة: 62): " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ". وتتكرر الآية مرة أخرى في سورة المائدة 69.

يقول السيد محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار(42) تعليقاً على هذه الآية القرآنية: " بيان أصول الدين الإلهي على ألسِنة الرُّسُل كلهم هي الإيمان بالله واليوم الآخر، والعمل الصالح فمَن أقامها من أيّة مِلّة من مِلل الرّسُل كاليهود والنّصارى والصابئين فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "(43).

وقال أيضاً في تفسيره: " ولا إشكال في عدم اشتراط الإيمان بالنّبي (صلعم)(44).

كما يقول د. محمد عمارة: " فالفوز بأجر الله سبحانه وثوابه والنّجاة من العذاب الذي تحدث عنه القرآن في وعيده الذي توعد به العُصاة والسّعادة الإلهية التي تنفي الحُزن كل ذلك حق وعد به الله سبحانه لا المسلمين المؤمنين بالشريعة المُحَمّدية فقط، وإنما مُطلَق المُتَدَيِّنين بالدين الإلهي الذين جمعوا إلى إيمانهم بالألوهية الإيمان بالجزاء والحساب وعملوا لذلك عملاً صالحاً 00 جميع هؤلاء قد صدق الله لهم الوعد بالنجاة والسعادة والأمن سواء منهم الذين آمَنوا بشريعة محمد، أو موسى أو عيسى وكذلك الصابِئة " ولعلهم الحُنفاء " وفي ذلك يقول الله سبحانه " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ " (المائدة: 69). ولقد جاءت الآية الأولى بعد آية نزلت لتقريع اليهود وتحدّثت كيف أنه قد " ضُرِبَت عَلَيْهِمُ الذِّلّةُ والمَسْكَنَةُ وباءوا بغَضَبٍ مِن الله 00 ": فجاءت هذه الآية 00 كما يقول الإمام محمد عبده: " بمنزلة الاستثناء من حُكم الآية السابقة 00 تبشر بالنجاة جميع مَن تمَسَّك بهَدي نبي سابق وانتسب إلى شريعة سماوية ماضية "(45).

ويقول د. محمد شحرور: " لذا فقد ورد الموقف الإلهي من الناس كافة في قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ " الآية. نلاحظ هنا أن هذه الآية تنطبق على كل أديان أهل الأرض السماوية منها وغيرها، والشرط الأساسي هنا الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح 00 والصابئون هنا من صبأ (خرج) عن ديانة موسى وعيسى ومحمد ولكنه مؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل صالحاً "(46).

وقال سامر إسلامبولي في تفسير هذه الآية أيضاً: " فالمقياس لدخول الجنة ليس هو الأسماء والصفات وإنما هو: الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. فمَن يتحقق به ذلك فالجنة مأواه قَطعاً لا شك بذلك أبداً. ولن يكون أحد فكاك الآخر من النار لأن العدل سوف يعم الجميع وكذلك الرحمة سوف تَسَع الجميع "(47).

ويقول د. محمد أحمد خلف الله: " ومن المفسرين مَن يرى أنه في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ " يرى فيها أن الالتقاء عند الإيمان بالله واليوم الآخر، وعند العمل الصالح الذي يصلح به حال الفرد وحال المجتمع كفيل بتحقيق الأمن للإنسان الأمن في الدنيا والأمن في الآخرة أي أن الأمن في الحياتَين يتحقق مع اختلاف الأديان ما دام هناك إيمان بالله واليوم الآخر وعمل صالح "(48).

ويقول الشيخ محمود أبو ريه في كتابه دين الله واحد: " فكُل مَن يؤمن بالله واليوم الآخر، ويعمل صالحاً فهو ناجٍ بفضل الله إن شاء الله ذلك بأن هذه الصفات الثلاث هي أركان الدّين الأساسية على لسان كل رسول، فمَن اتّبع أحكامها، وأقام أصولها، من أي دين كان فاز برضوان الله، ومن أخَلّ بشيء منها، واتبع هواه، فأمره إذن إلى الله إن شاء رحمه، وإن شاء عَذّبه "(49).)

والسؤال هنا هو: هل هذا الحكم والذي جاء في الآيتين السابقتين (البقرة: 62) و (المائدة: 69) خاص بأهل كتاب مُعَيَّنين؟ ويجيب على هذا السؤال المستشار محمد سعيد عشماوي قائلاً: " ولقد يقال أن حكم القرآن الكريم خاص بأهل الكتاب أيام التنزيل وفي عهد النبي (صلعم) وأن عقائدهم قد اختلفت الآن فلم يعودوا أهل الكتاب المقصودين في القرآن. وهذا القول يُنكِر الحقائق التاريخية لكَي يفسد حكم الإسلام. فعقائد أهل الكتاب يهود ونصارى كانت قد استقرت قبل البعثة النبوية، وهي لم تتغير قط في أساسياتها منذ عصر التنزيل حتى الآن. فعَلَى الذي يفسر القرآن الكريم أن يرعَى الله في التفسير وعلى كل مُسلِم أن يُدرِك الحُكم الصحيح في القرآن للعلاقة بين المسلم والكِتابي "(50).

 

---

(1) أنظر كتبنا " الوحي الإلهي واستحالة تحريف الكتاب المقدس " و " الإنجيل كيف كتب وكيف وصل إلينا؟ " و " الكتاب المقدس يتحدى نقاده والقائلين بتحريفه " 00 الخ

(3) المرجع السابق ص 118 و 119.

(4) لباب النقول في أسباب النزول للسيوطى ص 115.

(5) أسباب النزول للواحدي، تحقيق أمين صالح شعبان، الطبعة الرابعة.

(6) ابن كثير ج 1: 403.

(7) تفسير الجلالين – سورة البقرة – ص 17.

(8) بحر العلوم للسمرقندي ج 1: 107.

* العطف يقتضي المغايرة قاله علماء النحو والبلاغة. (انظر دكتور عبد المتعال الجبري في كتابه " شطحات مصطفى محمود.. ص 44 و.168.

(11) يسألونك في الدين والحياة، فضيلة د.أحمد الشرباصي ج 1: 221 و 222.

(12) المنتخب، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مجمع البحوث الإسلامية – الأزهر الطبعة الثامنة عشر 1995 ص 896.

* عمل مدرساً بالمعاهد الأزهرية، وأميناً عاماً لمجمع البحوث الإسلامية (الأهرام 15/2/1995م).

** أي قبل الإسلام بحوالي قرن من الزمان.

(13) د. عبد الجليل شلبي " الإسلام والمستشرقون " طبعة دار الشعب، ص13، 16.

(14) تفسير البيضاوي – سورة البروج – الجزء الخامس – ص 473.

* المونوفيزم = مفهوم خاطيء عن عقيدة الطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد لأنها تتصور أن الناسوت تلاشي في اللاهوت، وهذا فكر الهرطقة الأوطاخية التي رفضتها الكنيسة.

(19) - د. محمد عمارة، الإسلام والوحدة الوطنية، ص 51.

(21) كتبها محمد علم الدين، مفتش سابق بالتربية والتعليم – قال: من مقال لحكيم من حكماء المسلمين وإمام من أئمتهم هو المرحوم الشيخ محمد عبده نشرت في أوائل هذا القرن تحت عنوان: طبيعة المصريين بجريدة الأخبار 18/4/1980م/ ص 3.

(23) يسألونك في الدين والحياة – فضيلة د.أحمد الشرباصي ج 1: 453 و 454.

(25) رواه أبو داود والترمذي، حديث رقم 365. ورياض الصالحين للنووي ص 172 و 365. كما جاء في مسند الإمام أحمد ج 3: 38. انظر أيضاً تفسير ابن كثير ج 8: 264.

(28) تفسير البيضاوي ج 5: 147.

(29) تفسير المنتخب – سورة الزخرف – ص 728.

(34) تفسير المنتخب، ص 494.

** هي أستاذ التفسير والدراسات العُليا بكليات الشريعة (الأهرام 13/5/1986م).

(40) الأهرام الخميس 27/4/1995 والخميس 4/5/1995. انظر أيضا أسباب نزول لسورة الروم: 1، للواحدي، ص 288.

(42) تفسير المنار ج7: 277.

(44) تيارات منحرفة في التفكير الديني المعاصر، د. على العمّاري، ص 57 – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية – القاهرة – العدد 169.

(45) د. محمد عمارة " الإسلام والوحدة الوطنية " ص 113 – 116. والأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ج 4: 199.

(46) الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة، د. محمد شحرور ص 721، 722.

(49) تيارات منحرفة في التفكير الديني المعاصر للدكتور على العماري – ص 44و 49.

الصفحة الرئيسية